بعد سنوات طويلة من السيطرة الكاملة للاهلي على كرة اليد المصرية جاءت لحظة النهاية في مستهل عام 1999 ونزعت المسابقات المحلية الثوب الاحمر الذي اردته دائماً، وارتدى درع الدوري للموسم 98-99 اللون الابيض الناصع لفانلة الزمالك التقليدية. وبات مؤكداً ان يمتد اللون الابيض ليغطي كأس مصر ايضاً ليحرز الزمالك الثنائية للمرة الاولى في تاريخه. لم يكن فوز الزمالك باللقب متوقعاً، لذلك جاءت الفرحة مضاعفة، وعاش انصار الفريق احتفالات ضخمة سواء في الملعب بعد فوزهم على الاهلي في المباراة النهائية او في مقر النادي حيث سهروا حتى الصباح. وزاد من افراح الفوز انه اعطى لأنصار الزمالك املاً في كسر احتكار فريقهم لانتصارات الاهلي المتتالية بدوري كرة القدم بعد ان نجحوا في كسر احتكار الاهلي الاكثر قوة في كرة اليد. الشواهد التي سبقت الموسم لم تشر الى اي احتمالات للتغيير في الصدارة. اذ احتفظ الاهلي باستقراره ونجومه ومدربه وحقق فوزاً فريداً بكأس الاندية العربية في الاردن من دون لاعبيه الدوليين اشرف عواض وجوهر نبيل وصابر حسين، الامر الذي ترك انطباعاً راسخاً لدى الجميع بان الاهلي سيزداد قوة مع الدوليين، وسيكون فوزه ببطولة الدوري مجرد نزهة سنوية. وعاش الزمالك بعض التغييرات واستبدل جهازه الفني وجاء لاعبه الدولي القديم ممدوح هاشم لمقعد المدير الفني للمرة الاولى بلا خبرات كافية، وادخل الفريق ثلاثة من اللاعبين الصاعدين هم حسين زكي والسيد شلبي ووائل فهيم. ومع انطلاق المسابقة، ازداد الشعور لدى الجميع بأن اللقب سيحتفظ بلونه الاحمر السنوي بعد ان فاز الاهلي في كل مبارياته التسع الاولى بطريقة واحدة، وترك الاهلي منافسيه لتقديم ما عندهم ويعطيهم الفرصة والمساحة للتقدم والتسجيل ثم ينقض عليهم في الشوط الثاني ليقلل الفارق ويتعادل ثم ينتزع الفوز. ولم تختلف مباراة الاهلي والزمالك في المرحلة الاولى للدوري عن بقية المباريات، وترك الاهلي منافسه ليتقدم وينهي الشوط الاول بفارق 3 اهداف ثم يتقدم حتى 25-23 قرب نهاية اللقاء، وشهدت الدقائق الخمس الاخيرة ضغطاً هائلاً للاحمر واربعة اهداف متتالية وفاز الاهلي 27-25، واعتقد الجمهور ان الاهلي اكبر واقوى من منافسيه في كل زمان ومكان. وازدادت الترشيحات قوة لمصلحة الاهلي بعد سقوط الزمالك في فخ التعادل في الاسكندرية امام سبورتنغ، وضمن الاهلي احراز المركز الاول في المراحل التمهيدية للمسابقة قبل النهاية. التحول الغريب مباراة الناديين في مرحلة الاياب شهدت بداية التحول، ولم يكن الاهلي محتاجاً فيها للفوز او التعادل، لكن الاداء اثبت تفوقاً فنياً وبدنياً ومعنوياً ملحوظاً للاعبي الزمالك الاكثر جدية، وفازوا بالمباراة 27-23 بعدما اهدر لاعبو الاهلي الفرص والرمايات الجزائية بغرابة واستهتار، وسجل لاعبو الزمالك كل رمياتهم الجزائية باتقان. ومع نهاية المرحلة التمهيدية وبداية الادوار الفاصلة، تغيرت الآراء والترشيحات ازاء صعوبة انتصارات الاهلي على منافسيه الضعفاء المقاولون العرب والاولمبي وفوز الزمالك باكتساح على منافسيه. وكان طبيعياً ان يصل الفريقان القويان الى المباراة النهائية للدوري، وللمرة الاولى منذ سنوت اتجهت الترشيحات لمصلحة الزمالك. وبالفعل لم يخيب الزمالك آمال جمهوره وهزم الاهلي في اقوى لقاءاتهما منذ سنوات طويلة، ولم يترك الزمالك لمنافسه ادنى فرصة للتقدم طوال اللقاء، واستغل اللائحة التي وضعها اتحاد اللعبة بتنفيذ 3 رميات جزائية بين شوطي المباراة ويضاف رصيدها الى نتيجة المباراة. ونفذ الزمالك كالعادة رمياته بنجاح وسجل ثلاثة اهداف واخفق الاهلي في رمياته الثلاث، مؤكداً فشله في تلك المهارة، وانهى الزمالك المسابقة والمباراة بفوز - ولا اغلى - على منافسه 24-22، وكسر الاحتكار الاهلاوي لدوري كرة اليد. وقبل ان تكتمل احتفالات الزمالك بالدوري اوقعه اتحاد اليد في مطب جديد بإقامة الدورة الرباعية الاولى لنهائيات كأس مصر في بورسعيد، وبعد ايام قليلة من المباراة النهائية للدوري التقى الفريقان مجددا في كأس مصر، وكانت الظروف في تلك المرة لمصلحة الزمالك تماما بعد تعادل الاهلي مع سبورتنغ السكندري 34-34. ولم يكتف الزمالك - الاقوى فنياً والاعلى معنوياً - من الفوز على الاهلي ولا بتلقينه درساً نموذجياً في اصول اللعبة وقواعد الدفاع الحديدي، لكنه ترك بصمتين تاريخيتين في اللعبة. فقد فاز الزمالك 21-14، وسجل رقما قياسياً تاريخياً في رياضة كرة اليد المصرية لاقل عدد من الاهداف يحرزه الاهلي في اي مباراة رسمية في شباك منافسه في التاريخ... وكان فارق الاهداف السبعة سبباً في سقوط الاهلي الى المركز الثالث خلف الزمالك وسبورتنغ، وهي المرة الاولى في 15 عاماً التي يتخلى فيها الاهلي عن احد المركزين الاول او الثاني في الكأس. ومع تعديل نظام مسابقة كأس مصر بات فوز الزمالك باللقب مضموناً قبل احداث الدورة الثانية التي تقام في شبين الكوم، ونال الزمالك بصفته الاول 4 نقاط وتبعه سبورتنغ والاهلي والاولمبي برصيد 3 و2 و1 نقطة على التوالي. واتسع فارق النقاط بين الزمالك والاهلي الى نقطتين، ما يعني ان حصول الاهلي على بطولة الدورة الثانية - وهو امر مستبعد فنياً - لا يكفيه لاحراز كأس مصر اذا جاء الزمالك ثانياً، ولا يمكن بكل المقاييس ان يتقهقر الزمالك الى المركز الثالث. الغرور والثقة الزائدة هما السبب الرئيسي لانهيار الاهلي، ومع بداية التحول من الفوز الى الهزيمة عجز الفريق عن استعادة انضباطه او جديته، وفشل المدرب عاصم حماد في السيطرة على لاعبيه، وتحولوا في الملعب الى مجموعة من الهواة وكأنهم يلعبون معاً للمرة الاولى، وصارت اصواتهم اكثر واعلى من تمريراتهم وتصويباتهم، وفقد الفريق اهم مميزاته وهو الاداء الجماعي. وعانى الاهلي كثيراً من غياب العقل المفكر بعد اعتزال قائده ياسر لبيب. وعلى العكس نجح المدرب الجديد للزمالك ممدوح هاشم في كل شيء لا سيما ذوبان النجوم من اجل مصلحة الفريق، وقضى على العيب التقليدي للفريق المكتظ باللاعبين اصحاب الاسماء اللامعة. الزمالك ضم بين صفوفه حسام غريب كابتن الفريق 36 عاما واقدم لاعب في الملاعب المصرية، واحتفظ حسام الذي يعمل كضابط شرطة بلياقته وقوته مع اضافة من الخبرة، واحسن قيادة زملائه بذكاء ووعي خصوصاً في اللحظات الحرجة في مباريات الاهلي. ولعبت ايمن صلاح حارس المرمى الاول 35 عاماً دورا مماثلا في قيادة الفريق، وتمكن في المباراة الاخيرة لكأس مصر في بورسعيد من التصدي لخمس رميات جزائية متتالية للاعبي الاهلي، وهو رقم قياسي فريد لأي حارس مرمى في تاريخ لقاءات القمة. وشملت التشكيلة اربعة من اللاعبين الدوليين اصحاب الخبرة الدولية والمحلية لأكثر من 8 سنوات هم: الهداف محمود حسين احسن جناح في مصر حالياً، وسجل 10 اهداف بمفرده من اصل 24 هدفاً للزمالك في المباراة النهائية للدوري، وقد تمتع بقوة واصرار وحماسة غير عادية في لقاءات الاهلي... وحارس المرمى الدولي محمد الروبي الذي اشركه المدرب في اللقاء الفاصل للدوري، وكان عند حسن الظن لا سيما في الرميات الجزائية بين الشوطين وانقذها كلها ومعها عدة انفرادات... والمدافع الضخم احمد رمضان - وشهرته هتلر بسبب صرامته التي تتحول كثيراً الى عنف وخشونة وتتسبب في طرده - وكان عاملاً رئيسياً في الفوز برقابته الممتازة للهدافين اشرف عواض وصابر حسين... ومجدي ابو المجد. لكن عنصر الشباب كان مؤثراً جداً بوجود الثلاثي حسين زكي ووائل فهيم والسيد شلبي الذي انضم الى صفوف منتخب مصر الذي يستعد لنهائيات كأس العالم الصيف المقبل، وارتفع عدد لاعبي الزمالك في المنتخب الى 8 لاعبين من اصل 12! تقييم الموسم "الحياة" التقت الدكتور عبدالفتاح عبدالله عضو مجلس ادارة اتحاد كرة اليد لاستطلاع رأيه حول تقييم الموسم وفوز الزمالك، فقال: "الموسم شارف على الانتهاء في توقيت مبكر جداً قياساً على المواسم الماضية لالتزام الاتحاد بالاستعداد الجاد لنهائيات كأس العالم، ورغم قصر المدة الا ان مسابقة الدوري كانت ناجحة 100 في المئة وشهدت اعلى قدر من الاثارة على كل المستويات... الاهلي والزمالك تنافسا بقوة منذ البداية وحتى صفارة النهاية في المباراة الفاصلة وارتفع المستوى في لقائهما الى اعلى الدرجات... سبورتنغ والاولمبي والطيران والاسماعيلي تنافسوا بقوة على المركزين الثالث والرابع للصعود الى الدور نصف النهائي وللهروب من الهبوط الى دوري القسم الثاني، وانتهى الامر بمفاجأة مذهلة تمثلت في فوز الاسماعيلي وحصوله على المركز الرابع خلف الاولمبي، وهبط سبورتنغ رغم قوته ونجومه الدوليين الى المركز الخامس وهبط الى المستوى الثاني. وجاء حصول سبورتنغ على المركز الثاني في الكأس دليلا على تقارب المستويات. وأضاف عبدالفتاح: "ارتفاع مستوى التحكيم هذا الموسم عنصر بالغ الاهمية بعد ان عانت المسابقات في السنوات الماضية من تدني مستوى الحكام، واعطى هذا الامر املاً كبيراً في اختيار حكمين مصريين لنهائيات كأس العالم". واضاف: "كان دمج نتائج مسابقة الرجال مع مسابقة الشباب في المراحل التمهيدية سبباً في اهتمام الاندية بفرق الشباب مما يضمن مستقبلاً جيداً للعبة، وظهر الناشئون ماهر حسين من الزمالك واحمد عبدالغني وهشام عبدالوهاب ومحمد عبدالعزيز من الاهلي بمستوى ممتاز يؤهلهم للعب في الفريق الاول، ويطمئن على مستقبل المنتخب المصري في نهائيات كأس العالم للشباب التي تنظمها قطر في الدوحة في ايلول سبتمبر 1999". وعن اختياراته لنجوم الموسم قال عبدالفتاح: "المكانة الرفيعة محجوزة للاعبين فقط، وكلاهما من نادي الزمالك وهما السبب في جدارته بالفوز على الاهلي واحراز الدوري والاقتراب من الكأس، وهما محمود حسين الجناح الهداف والمدافع الصلد واللاعب الملتزم، ومحمد الروبي حارس المرمى صاحب القدرة الفائقة على قراءة افكار منافسيه... ويأتي في المستوى الثاني السيد شلبي من الزمالك وجوهر نبيل من الاهلي ومروان مصطفى من سبورتنغ... لكن المفاجأة السلبية كانت في تدني مستوى هدافي الاهلي اشرف عواض وصابر حسين وكلاهما لاعب دولي يعتمد عليهما المنتخب. وكان اللاعبون الكبار حسام غريب وايمن صلاح واحمد رمضان جيدين ايضاً مع الزمالك".