فرانك ريتشياردوني هو، مرة، "منسق بين القوى العراقية المعارضة"، ومرة أخرى، "منسق المرحلة الانتقالية"، وثالثة، "منسق بين المعارضة والإدارة"، ورابعة، "منسق الأنشطة الاميركية في العراق" على غرار الاسرائيلي أوري لوبراني في لبنان...، الخ... لم يستقر الإعلام على توصيف موحد لمهمته. وهذا طبيعي، ليس لأنه حديث العهد في موقعه فحسب، بل لأن وظيفته غامضة. فهو سيضطر الى التنسيق بين المعارضات المعينة من جانب واشنطن بصفتها "مؤهلة للتسليح"، وعلى الأرجح، بين القوى المشكلة لكل طرف منها. وفي غضون ذلك سيجد نفسه مدفوعاً الى التنسيق بينها وبين تلك التي ستقدم طلبات انضمام الى هذا النادي المفتوح. غير ان ذلك لا يجوز ان يشغله عن التنسيق بين حكومته وبين التنظيمات التي تبدي اعتراضاً، لفظياً أو صادقاً، على ما يبدو انه "خطة تغيير من الخارج". لا يسع ريتشياردوني ان يتجاهل ضرورة التنسيق بين المعارضات وبين دول اقليمية معنية الى حد كبير بما يحصل في العراق وتمتلك، حياله، رغبات ومشاريع ومطامع، وهو مرغم على ان ينسق بين هذه العواصم المتباينة المواقف وبينها وبين واشنطن المضطرة الى ارضائها برغم الخلافات التي تميز مواقفها. وليس مستبعداً ان يجد الرجل نفسه في خضم عملية تنسيق بين الولاياتالمتحدة وبريطانيا وبينهما وبين حلفاء غربيين كثيرين يملكون، كما هو واضح، وجهات نظر خاصة في المصير العراقي. ولكنه، قبل ان يفعل ذلك، سيسعى الى التنسيق بين وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت وقائد القوات الاميركية في المنطقة انطوني زيني، وسيقوده الأمر الى التنسيق بين الكونغرس المتشدد والبيت الأبيض في ظل حمأة الصراع حول "مونيكا غيت" وتحت رقابة اللوبي الصهيوني الدافع الى أكثر الخيارات جذرية. إلا أن التنسيق الأشد صعوبة هو ذلك الذي سيقوم به فرانك ريتشياردوني بينه وبين... نفسه! فالتصريحات المنقولة عنه تشير الى انه غير منحاز أصلاً الى "قانون تحرير العراق" الذي كان في أساس مهمته كلها. ربما كان الدور المطلوب من هذا "المنسق"، في المرحلة الراهنة، هو ادارة حملة علاقات عامة تجعل منه، عملياً، وريث ريتشارد بتلر، فلقد استنفد رئيس "أونسكوم" فائدته في تبرير الحصار وبات مستحسناً ان يحل محله من هو قادر على ترسيخ الفكرة الجديدة: التحضير للاطاحة. لقد كان استخدام بتلر مضطراً الى مراعاة عدد من الشكليات مواقف الدول الاعضاء في مجلس الأمن، آراء الوكالات الدولية المختصة بنزع السلاح، الأمين العام للامم المتحدة.... أما استخدام ريتشيارودني فهو أكثر تحرراً من القرارات الدولية واكثر إعلاناً لتدشين الولاياتالمتحدة سياسة خاصة بها في الشأن العراقي. أن الأوصاف التي اطلقها كلينتون على التنظيمات المعارضة "المؤهلة للتسليح" فتطرح سؤالاً عن حاجتها الى "منسق" اميركي. فهي كلها مفتوحة على أبناء الاثنيات والطوائف، وتؤمن بالتعددية والديموقراطية وحقوق الانسان، وتريد عراقاً موحداً متصالحاً مع جيرانه... كان يمكن لها، بسهولة، ان تنتقي "منسقاً" من بينها أو ان تخطو خطوة بسيطة على طريق التعاون. ولكنها لم تفعل وهو الأمر الذي فرض العودة الى هذا الأسلوب الكولونيالي بتعيين "مندوب سام" تكون مهمته الأولى ترسيخ الفكرة القائلة بأن التغيير في العراق يكون اميركياً أو لا يكون.