على المستوى الانساني البحت .. سنجد لكل انسان اولوياته .. وهي اولويات لا تختلف من انسان الى آخر. الطعام والغذاء مثلا أول حاجة للانسان لكي يعيش .. بعد ذلك يبدأ المسكن والحرية .. بعد ذلك يأتي التعليم والصحة .. بعد ذلك يأتي السلاح للحماية والدفاع .. سوف نعثر على قانون الاولويات في جميع ميادين الحياة، حتى ميادين الدعوات .. بمعنى ان الداعية لأي فكر من الافكار أو معتقد من المعتقدات لا بد ان يراعي قانون الاولويات، فيبدأ بما هو شديد الاهمية ثم يتدرج الى ما هو أقل اهمية .. وبهذا المنطق السليم تتسق دعوته. هذا هو المفروض .. بيد ان المفروض لا يحدث عادة في الحياة الا نادرا .. هناك دعاة للاسلام يفهمون الاسلام فهما قاصرا، فتتضخم في عقولهم قضايا صغيرة .. وتختفي من احاديثهم قضايا بالغة الاهمية، ويمكن القول ان قانون الاولويات بالنسبة اليهم مهدر تماما وغائب .. ولهذا تراهم يتحمسون في مواضع البرود، ويبردون حيث يجب الحماس، واحيانا يقدمون الاحاديث الضعيفة على روح الاسلام واحاديثه الصحيحة ... كان الشيخ محمد الغزالي ضيفا عند احد الناس، واراد المضيف اكرام ضيفه، فسكب في يديه قطرات من ماء الكلونيا .. فاذا احد الدعاة يصرخ: حرام .. هذه نجاسة. قال الشيخ الغزالي دعني ورأيي .. إن مالكاً رضي الله تعالى عنه يرى ريق الكلب وعرقه طاهرين، ويراهما غيره نجسين .. فلنتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. قال الداعية: اليد التي بها كلونيا نجسة .. وتحرم مصافحتها. قال الشيخ الغزالي في نفسه: ادركت انني أحدث من لا يستحق المحادثة ... لماذا يعتبر بعض الدعاة ان الكلونيا حرام، لأن السبرتو يدخل في صناعتها مثلما يدخل في صناعة الخمر .. ولهذا يحرمونها، اذا حدثتهم ان الرسول كان يحب الطيب والتطيب قالوا ان الطيب شيء والكلونيا شيء آخر .. وهذا هو مبلغهم من الفقه .. كان الشيخ الغزالي يوما في حفل جامع، وكان يلقي محاضرة في موضوع خطير هو الوحدة الاسلامية والتناحر بين المسلمين .. ورأى احد الصحافيين التقاط صورة للجمع الحاشد، ولكن واحدا من الدعاة نهض يمنع التصوير، فلما أصر الصحافي على المضي في عمله اتجه الداعية الى الآلة ليكسرها .. وجاءه الواعظ الغيور يسأله: لماذا لم تمنع التصوير، قال الشيخ لاني أراه مباحا .. قال الواعظ: ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم ان اشد الناس عذابا هم المصورون. قال الشيخ إنه يعني صانعي التماثيل للعبادة، ولا يتصور ان يكون هذا الصحافي اشد عذابا من القتلة والزناة والمرابين والظلمة .. قال الواعظ: الحديث عام فلماذا تخصصه .. قال الغزالي: خصصه الواقع الذي لا يمكن تجاهله .. فالوثنيون كانوا يعبدون اصناما مجسمة ولم يعبدوا صوراً شمسية. ان التقاط الصوت في شريط مسجل، أو التقاط الظل والملامح على ورقة لاغراض علمية او اجتماعية فلا علاقة له بالوثنية .. ولا يحكم عليه بتحريم، بل هو كما نبه مسلم في صحيحه ليس إلا رقماً في ثوب. قال الواعظ: هذا الكلام مردود، ومحاضرتك عن الوحدة الاسلامية وعن التناحر بين المسلمين لا تقبل، مادامت مقرونة باقرار التصوير .. هذا الواعظ بفهمه السقيم الخاطئ هو افضل دعاية ضد الاسلام .. منذ ايام سلطت الاضواء على شخصية واحد من الجماعات الدينية الذين يعيشون في لندن، ويبدو انه كانت له علاقة بحوادث خطف الاجانب في اليمن، وخلال الحديث الذي جرى معه، قال الرجل كلاما يعتبر أسوأ دعاية ضد الاسلام .. وكان فهمه للاسلام ونصوصه وروحه فهماً سقيما للغاية .. وقد انتهزت وكالات الانباء الاجنبية فرصة هذا الحديث وأفردت له مساحة اكبر من حجمه وكان الهدف من هذا كله ان تقول للناس - انظروا .. هذا تفكير رجل مسلم ينتمي للجماعات الدينية .. وقد سئل عن مساعدات اميركا للثوار الافغان فقال إن هذه المساعدات كانت دابة من دواب الله سخرها لهم .. إن اصحاب هذا الفهم الغريب السقيم للدين، هم الذين تهتم بهم الاذاعات ومحطات التلفزيون العالمية، وهم الذين تقدمهم الى الناس باعتبارهم نماذج من المسلمين، وهي نماذج تبرر قلق الغرب وتؤكد اعتقاده ان العدو القادم بعد الشيوعية هو الاسلام، بهذه النماذج الدموية والارهابية التي تتصور أنها تدعو للإسلام بينما الواقع انها تدعو ضد الاسلام.