تذكرون الكرامات التي كان يتحدث بها مساندو الجهاد في أفغانستان، هي كرامات طار بها الدعاة والوعاظ من غير تيقن حقيقي مما حدث وإنما كانت النية الطيبة ترويها وترددها من باب حث الشباب على الالتحاق بكوكبة المجاهدين هناك أو تعضيد عزيمة المقاتلين هناك.. ذهبت تلك الكرامات وأريقت الدماء في حياض مصالح صناع اللعبة وفقدنا من فقدنا ولم يلتئم جرح كثير من الأسر التي فقدت أبناءها في أفغانستان أو في الشيشان أو في الصومال أو العراق. ولازال الدعاة والوعاظ يحملون أخبارا ليس لها محل من الواقع سوى النية الحسنة التي يتحرك من خلالها أولئك الوعاظ وهي جملة من الأخبار توظف في مواقع من حياتنا من أجل البرهنة على صدق حال من الأحوال لإقناع البقية بسلامة المنهج أو الرؤية التي يريد الوعاظ جمع الناس عليها. فهذا داعية ينقل لنا أن الملائكة نزلت لتحارب أو تجاهد مع الشعب السوري ضد نظام مستبد قاهر، وهي دعوة مثبطة من نصرة شعب أعزل يفتك به يوميا، فإذا كانت الملائكة تحارب مع هذا الشعب في حين أن الناس تسحق يوميا وليس هناك بادرة أمل في رفع هذا الضيم، أو تحجيم هذا القتل اليومي، فكيف تستقيم أخبار ذلك الواعظ من أن الملائكة تحارب مع الشعب السوري ويوميا يقتل العشرات بينما لا يموت شخص واحد من رجالات نظام الأسد، كيف.؟ مشكلة الوعاظ تتمثل في محاولة استنساخ أحداث حدثت في زمن النبوة، فنحن نؤمن إيمانا مطلقا بأن الملائكة نزلت لتحارب مع المسلمين في غزوة بدر مثلا لكن هذا النزول لا يجب استنساخه وادعاء نزول الملائكة في مواقع أخرى والسبب في ذلك أن نزول الملائكة هي معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بوقوعها الله ورسوله، ولأن المعجزات خاصة بالأنبياء فلا يستساغ تعميمها أو استنسخها وإلا فإن المسلمين كانوا أحوج ما يكونون لنصرة الملائكة في معركة الحديقة ضد مسيلمة الكذاب مثلا، فلماذا لم تقل السيرة أن الملائكة نزلوا لمناصرة المسلمين في تلك المعركة؟ أو لماذا لم ينزلوا في معركة القادسية أو اليرموك أو مع مجيء التتار وسقوط بغداد.. لماذا لم تنزل الملائكة ولم يخبر أحد أنها نزلت بالرغم من وجود صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكما يرفض كثير من الدعاة بركات الأولياء من الناحية المذهبية حين يعاب على بعض المذاهب ذكر البركات فيجب أيضا أن ترفض قصص الوعاظ التي تتماس مع المعجزة الخاصة بالرسل والتأكيد على وقوعها هنا أو هناك.. وحين يكون الواعظ متلاعبا بالأخبار وناقلا لبعضها من أجل حمل الناس على التصديق أو تزكية الأفراد فهذا أمر معيب أن يستخدم الدين كوسيلة لبلوغ هدف، ولأن استنساخ الأحداث لازال جاريا فهذا أحد الوعاظ يقف في ميدان التحرير ويقسم بالله أن شخصا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يسأل عن حازم أبو إسماعيل ويأمر الحضور بتبليغ الشيخ حازم بأن الله راض عنه، فهل ما يقوله هذا الواعظ قولا نوى به دينا أم دنيا، والظاهر أن خطاب هذا الواعظ خطاب دنيوي من أجل مواصلة مناصرة الشيخ أبوإسماعيل وجمع الأنصار كوسيلة ضغط لقبول طعون أبو أسماعيل وإعادته إلى سباق الرئاسة كيف لا، وأبو إسماعيل رجل رضي الله عنه فكيف لا يرضى به الشعب المصري؟ هذان نموذجان من خطاب الدعاة فكيف نتهم بالجنون من يصعد إلى منبر مسجد من المساجد مدعيا أنه المهدي المنتظر بينما لا نتهم من يدعي حدوث المعجزات بنفس التهمة.؟ أخيرا لا يعجز الله شيئا ولأننا في دار ابتلاء فقد خلق سننه وأجراها في الكون، وحياتنا من السنن التي لا اختراق لها، فنحن لسنا أنبياء تخرق لنا السنن الكونية أو تجري على أيدينا المعجزات.