أي الثلاثة، لبنانوالأردن وسورية اقتصاده اسوأ؟ تقديري، وهو شخصي من وحي اجتماعات اقتصادية حضرتها في الأيام الأخيرة، ان الأردن يواجه أكبر قدر من الصعوبات، وفي المقابل فقيادته الأكثر وعياً لمشاكله، والملك عبدالله جعل الاقتصاد في قمة اهتماماته الداخلية وزيارته الخارجية المتواصلة. وتقديري كذلك ان الاقتصاد اللبناني أفضل من اقتصاد جارتيه وسأعرض الاهتمام الرسمي بمشاكل الاقتصاد قبل نهاية هذه السطور، وان سورية في مرتبة بين البلدين الجارين مشاكل اقتصادية ومعالجة لها. وكنت زرت لبنانوالأردن وسورية الاسبوع الماضي، وربما عدت الى البلدين الأخيرين في الأيام القليلة القادمة، أما اليوم، فأبقى مع لبنان عبر ما رأيت وسمعت. الرئيس اميل لحود "ابن بيت"، وأنا هنا أتحدث عن أخلاقه لا أسرته الكريمة. وهو يقول ان الحملة على الفساد مستمرة، وان الأمر متروك للقضاء الذي يجب أن يكون مستقلاً. وهو رحب بالنقد، وقال انه اذا كان مصيباً فاصلاح الخطأ واجب، وإذا كان خاطئاً يصبح غير مهم. والمرء قد يختلف مع الرئيس في بعض الآراء، إلا أنه لا يختلف اثنان على أن الرئيس يحاول جهده، والله لا يكلف نفساً الا وسعها. الدكتور سليم الحص "ما فيه مثله" نزاهة وعلماً وظرفاً، ومع أنني أريد أن أتحدث عن الاقتصاد، إلا أنني لن أوجه الكلام الى رئيس الوزراء، فهو يستطيع ان يحاضر فينا جميعاً، لأنه أفضل الموجودين معرفة اقتصادية. ولا أنسى في هذه العجالة الرئيسين الياس الهراوي ورفيق الحريري. كما لا يستطيع أحد أن ينزع عن بشارة الخوري ورياض الصلح أنهما بطلا الاستقلال، فلا أحد يستطيع أن ينكر على الياس الهراوي انه رئيس السلام. الحرب بدأت في عهود غيره واستمرت، وهو جاء بالسلام، وأخرج اللبنانيين من كابوس مرعب استمر 15 سنة. رفيق الحريري "يسوى ثقله"، أي أنه يساوي الكثير رغم "الرجيم" الناجح الذي التزم به في الأشهر الأخيرة. والرئيس الحريري عمّر البلد، بل ان البلد ما كان ليعمر لولاه، وكل من يقول غير هذا جاهل أو حاقد أو حاسد. وفي حين أكثر ضعفاء النفوس من انتقاد الحريري بعد تركه رئاسة الوزارة، فقد لاحظت انه لا يأتي البلد زائر أجنبي حتى تحمله الدولة كلها الى وسط المدينة لتريه عملية إعادة الإعمار. لست مبهوراً بالرئيسين الهراوي والحريري البتة، وقد غبت عن غداء للأول وعشاء للثاني لزيارة الأردن، غير أنني سألت أحد أفضل العقول العربية في مجال التعمير والاقتصاد، وهو أستاذ جامعي سابق، ان "يُنوّرني". قال الصديق انه إذا اخترنا رقماً سهلاً، وإن غير دقيق، للدين العام، هو 20 بليون دولار تراكمت في أيام الرئيس الحريري، فهو يرى أن قيمة الإعمار في حدود عشرة بلايين دولار. وسألته هل يعني هذا ان البلايين العشرة الأخرى سرقت أو اهدرت، فقال: لا، وشرح ان الرئيس الحريري ارتكب خطأ بخفض الدولار مقابل الليرة من حوالى ثلاثة آلاف ليرة للدولار الى 1500 ليرة، لأن هذا وحده زاد الدين الداخلي كثيراً، وهو الجزء الأكبر من الدين العام. وقال الصديق انه كان يفضل أن يبقى سعر الدولار في حدود 2200 ليرة، إلا أن الأرجح ان رئيس الوزراء راهن على اكمال عملية السلام فكانت نكستها نكسة للاقتصاد. وزاد الصديق ان سعر الليرة وحده لا يشرح الفرق، ولكن هناك جزءاً كبيراً من الدين اطلق عليه عبارة "الانفاق السياسي" أو "المال السياسي"، أي انه ذهب لمراكز قوى معروفة لها طوائفها وأحزابها ومصالحها، وهي مراكز باقية مع الحكومة الحالية. اليوم الإعمار متوقف الا ضمن أضيق نطاق واستكمالاً لما بدأ الحريري، والمواطنون يشكون بصوت عالٍ، الا أن هذه خصوصية لبنانية. واعتقد ان الرئيس الحريري قادر على استئناف مسيرة الإعمار، مستفيداً من أخطاء الماضي... في بعض القرارات وبعض الناس. ونسمع من يقول عن الوزراء الجدد انهم "اوادم"، واقبل هذه الصفة للوزراء الجدد، وازيد ما يعرف كل اللبنانيين "الادمي بتجوزو بنتك"، فالحكم يحتاج الى "اوادم" فعلاً، شرط أن يكونوا قادرين أيضاً. وهناك من هؤلاء في الحكومة الحالية كثيرون، وفي مقدمهم الرئيس الحص. ماذا أزيد؟ وجدت الناس في لبنان وشغلهم الشاغل هل تكون بيروت دائرة انتخابية واحدة، أو دائرتين، أو ثلاثا. أهم من هذا بكثير المواجهة مع اسرائيل، فقد سمعت في البلد لهجة جديدة أخشى أن تكون كارثية بأبعادها. باختصار رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك يقول انه سيسحب القوات الاسرائيلية من جنوبلبنان في تموز يوليو القادم، وسمعته قبل أيام يفاخر بأنه بلغ الثامنة والخمسين من دون ان يخل بكلمته مرة، وهو لن يفعل هذه المرة. وكنت سمعت الرئيس الهراوي يقول يوماً إنه إذا انسحبت اسرائيل فهو يضمن عدم اطلاق رصاصة واحدة عبر الحدود. غير أنني فوجئت هذه المرة بأن أركان الدولة كلهم يقولون انه إذا انسحبت اسرائيل من طرف واحد فهم لن يضمنوا لها شيئاً. ليس حديثي هنا عن التزامات أمنية لبنانية أو ضمانات من جانب واحد لاسرائيل، وانما هو ببساطة عن منع قيام عمليات عبر الحدود، لأن اسرائيل تتمنى مثل هذه العمليات فهي ستستخدمها عذراً لضرب البنية التحتية للبلد ضربة شاملة تعيد الإعمار الى نقطة الصفر، بل الى ما دون الصفر. وهي ستبرر ذلك ب"الاعتداء" على "مواطنيها"، وستؤيدها الولاياتالمتحدة وتسكت الدول الكبرى عنها. كنت قلت قبل أشهر ان اسرائيل ستضرب إذا استمرت عمليات معينة، فاستمرت العمليات وضربت اسرائيل. وكتبت مذكراً بما كتبت من قبل. وأصر اليوم على أن أي عمليات بعد الانسحاب الاسرائيلي ستؤدي الى ضربة قاسية، أو قاصمة، لا سبب البتة لإعطاء العدو عذراً لتوجيهها. الرئيس لحود قال لنا ان الوحدة الوطنية ستحمينا مهما فعلت اسرائيل. وأقول له باحترام واخلاص انه إذا أعطيت اسرائيل عذراً لتضرب، وهي تبحث عن عذر، لدمر الاقتصاد المزعزع اصلاً، ولافتقر الناس من جديد واختلفوا، فهو ولا بد أنه يعرف مثلاً من الجبل هو "القلة بتجيب النقار". رجائي الشخصي، وأملي، ان يسود في الجنوب بعد الانسحاب الاسرائيلي وضع من نوع ما ساد جزين بعد الانسحاب منها، فيكون الحكم اللبناني يقول شيئاً ويضمر شيئاً آخر، وهذا منتهى الذكاء.