ربما كان اصحاب الواقعية السحرية على درجة كبيرة من الوعي عندما خرجوا من عالمهم الى عالم سحري آخر، ينقذون واقعيتهم ويفلتون من اسر التكرار. في مقدمة كتابه الجديد يقول الشاعر الاسباني ماريو بينديتي أن "خوليو كورتاثر" هو الذي قربه من عالم الهايكو الغريب، هذه القصيدة اليابانية ذات الاسطر الثلاثة فقط، التي تجعل من الصرامة فضيلة. بعد ذلك قرأ الآلاف منها حتى تشبع بها واخذ يكتبها. يقول بيندتي انه كتبها "على الطريقة التقليدية، محترما التقسيم المقطعي 5 - 7 - 5". وقد كانت النتيجة كتاباً بعنوان "ركن الهايكو" مكوناً من 224 قصيدة صغيرة صدر عن دار بيسور في الاسبوع الماضي في اسبانيا، وقد صدر في الوقت نفسه عن دور نشر مختلفة في الارجنتين وبوليفيا والمكسيك واوروغواي. وقال بيندتي في حفل تقديم الكتاب: "قد تبدو كذبة، لكن في ثلاثة سطور، يوجد كل شيء" ويدعو القراء الى عدم الاندهاش من ضخامة الكتاب على قلة الحروف التي يحويها. وأكد في الحفل نفسه ان القصيدة القصيرة المكونة من سبعة عشر مقطعا قد تذكرنا باشكال الغناء الفلامنغو القديمة، على سبيل المثال: "في العقل / فقط تدخل الشكوك / ذات المفاتيح". أو: "تمر السحب / وتظل السماء نظيفة / من أي ذنب". أو: "أحب / أن أرى كل شيء من بعيد / لكن معك". أو: "الحياة قصيرة / أكدها كلاهما / فايا وأونيتي / الفراشة / ستتذكر دائما / انها دودة". هنا يوجد بيندتي المعروف لدى قرائه: الشاعر الساخر، المنفي، الرقيق، اليائس احيانا. الشاعر القريب من عالم اليوم ومن قرائه، وعن تجربته الجديدة يقول: "نعم إنها المرة الأولى، فلنر كيف ستكون النتيجة. اعتقد ان هناك ضربة اولى، المفاجأة، وبعد ذلك ردّ فعل: يعجب البعض، والبعض لا". وقد عرفت قصائد الهايكو في اليابان في القرن السابع عشر وقام بترجمتها الى الاسبانية أوكتافيو باث. والكاتب الوحيد بالاسبانية الذي كتب شعرا من سبعة عشر مقطعا قبل بيندتي هو خورخي لويس بورخيس عندما كتبها لزوجته.