بدأت القوى السياسية اللبنانية تستعد لمرحلة ما بعد إقرار قانون الانتخاب الجديد، باعتبار انه محسوم لجهة تقسيم لبنان 14 دائرة انتخابية. وأخذت تقوّم علاقاتها في ما بينها، تمهيداً لتحالفات تحمل محاولات جدّية لخلط الأوراق، على رغم اعتقادها ان القانون سيأخذ من الجميع، وتحديداً من الذين استفادوا من اعتماد المحافظة سابقاً دائرة انتخابية. وفي تقدير أوساط سياسية ان ما سيؤخذ من الأقوياء، سيوزّع على الذين كانوا يشكون من عدم التوازن في التمثيل الشعبي الناجم عن اعتماد الدوائر الكبرى التي حالت دون وصول مرشحين يعتبرون انفسهم أقوياء في القضاء. وتعتقد هذه الاوساط ان المستفيدين من تقليص نفوذ الاقوياء بدءاً من بيروت لن يكونوا مشروعاً لانبثاق تكتل نيابي جديد، بمقدار ما ان الهدف توسيع رقعة التمثيل، بما يقود الى استيعاب معارضين حرمتهم الدوائر الكبرى الوصول الى الندوة البرلمانية، وتنفيس الاحتقان الطائفي كأساس لرفع مستوى المواجهة اللبنانية بالتنسيق مع سورية، لكل الاحتمالات المترتبة على ما ستؤول اليه عملية السلام في المنطقة. ولا يعني هذا من وجهة نظر الاوساط السياسية، ان دمشق داعمة لفكرة التقسيم الانتخابي المطروحة بغية تسويقها، بل هي نصحت بأهمية التوافق بين القوى السياسية على القانون الذي يعطي فرصة للمعارضة من خارج المجلس بدخول المعادلة السياسية مجدداً. وقال قطب نيابي ان رئيس الجمهورية أميل لحود هو في طليعة الذين أبدوا حماسة لاعتماد قانون الدوائر الخمس، لكنه اشترط عدم منح استثناءات لأحد، لأن اي معاملة خاصة في القانون لهذا الطرف أو ذاك سيرتب على المعنيين نقل التجربة من منطقة الى اخرى. وأكد انه واحد من الذين سمعوا كلاماً في تموز يوليو الماضي من مسؤولين سوريين معنيين بالملف اللبناني ان لا شيء محسوماً في قانون الانتخاب سوى ابقاء بيروت دائرة واحدة، باعتبارها العاصمة، وانهم بقوا عليه الى ما بعد مطلع تشرين الثاني نوفمبر الماضي، والى حين قيام بعض الجهات الرسمية بجهد فوق العادة لتقسيم العاصمة دائرتين بذريعة استيعاب الجوّ المسيحي العام، خصوصاً ان استبعاد الدائرة الواحدة يسترد بعض المسيحيين ويمنعهم من الوصول الى موقف يصعب العودة عنه. وتابع ان المسؤولين السوريين اكتفوا بنقل الافكار المتعلقة بتقسيم بيروت دائرتين الى كل الذين يتعاطون الشأن السياسي، لكن البعض راحوا يروجون لمشروع تقسيمها ثلاث دوائر بحجة ان ذلك يؤمن مواقع نفوذ مستقلة لكل من رئيس الحكومة سليم الحص، وسلفه الرئيس رفيق الحريري والنائب تمام سلام، وبالتالي يحرر كلاً منهم، من التعاون مع الآخر ولو بطريقة غير مباشرة. ولفت الى ان جهات لبنانية تقف وراء تقسيم بيروت ثلاث دوائر، وان التحرّك السوري يتركز على تأمين المناخ العام في محاولة لتبديد الاعتراضات في الشارع البيروتي واخراج الجميع من الاحراج. ورأى مصدر رسمي ان تقسيم بيروت ثلاث دوائر يعطي الجميع حقوقهم ولا يلبي طموحاتهم السياسية، في مقابل رأي لنواب في كتلة الحريري، يعتبر هذا التقسيم مشروعاً لتحقيق توازن لا يراعي ميزان القوى القائم، موضحين ان الحريري يعمل الآن على استيعاب الموجة الرافضة للتقسيم للسيطرة عليها، نافياً ان يكون في وارد التحريض، وان كان يحاول احراج الحص المعترض على التقسيم، لكنه لن يكرر مع لحود تجربة مشروع الزواج المدني التي شكلت في العهد السابق نقطة تجاذب بين الرئيس الياس الهراوي والحريري. وتقول أوساط في "تجمع العائلات البيروتية" ان الحريري يدير معركة ضد التقسيم، لكنه لن يتجاوز "الخطوط الحمر" التي رسمها لنفسه، وهي ان قانون الانتخاب لن يشكل مادة خلافية مع لحود ولا يعرض علاقته الاستراتيجية مع دمشق لأي انتكاسة باعتباره خياراً ثابتاً. وأكدت ان رفض تقسيم بيروت سيسمح بفتح نافذة سياسية لاستكشاف المستقبل، خصوصاً ان الترابط قائم بين القانون والأوزان السياسية، لاستحالة فصلهما، استناداً الى المعلومات المتوافرة عن ان المعركة بدأت مبكرة لتركيب اللوائح في بيروت، ومباشرة غربلة اسماء المرشحين. وأشارت الى ان لا قانون انتخاب من دون سقف سياسي، وان السقف المرسوم استرضاء معظم القوى التي أبدت انفتاحاً على دمشق والاصدقاء الذين يرفضون التفريط بالعلاقة معها. وكشفت ل"الحياة" ان العائلات البيروتية حاولت انهاء القطيعة بين الحص والحريري بجرهما الى التوافق مع سلام، على رفض تقسيم بيروت، وأن الفكرة بقيت في حدود الرغبة اذ ان رئيس الحكومة يرفض التوافق العملي على موقف رافض، كي لا يقال انه يريد ابتزاز مجلس الوزراء، بينما وافق الحريري مبدياً استعداده لزيارة الحص مع وفد من العائلات اذا اتخذ موقفاً حاسماً. وبالنسبة الى سلام، قالت انه طرح توحيد موقف الفاعليات البيروتية لكنه يتريث في تطوير موقفه، خصوصاً بعدما صارحها الحريري بأنه دعاه الى التعاون مبدياً انفتاحه، انما أبقى الباب مفتوحاً الى ما بعد الانتخابات. وتنشط الاتصالات بدءاً من الاسبوع الطالع لتهيئة المناخ السياسي الذي ينزع العقد من امام القانون، ولن تكون دمشق بعيدة من متابعة جهدها الوفاقي خصوصاً ان الجميع يعلّق أهمية على زيارتين في يوم واحد يقوم بهما الثلثاء المقبل الحريري والنائب وليد جنبلاط للحود.