فاجأت الحكومة المصرية الأوساط المعنية بمضمون اللائحة التفسيرية لقانون الجمعيات، التي أعلنتها منتصف الاسبوع الماضي، وجاءت ردود الفعل عليها متباينة، وأثارت تساؤلات عن احتمال هجرة منظمات حقوقية للعمل من خارج الوطن. الإنقسام بدا واضحاً في جبهة معارضي قانون الجمعيات، الذي أصدره البرلمان المصري في أيار مايو الماضي، إذ كان "ملتقى الجمعيات الأهلية" تعبيراً عن وحدة منظمات العمل الطوعي الاجتماعي والحقوقي. لكن بعد صدور اللائحة، بدا وكأن كلا من هذه الجمعيات يسير في اتجاه مخالف للآخر. السيد أمين فهيم رئيس "جمعية أبناء الصعيد"، الذي تولى رئاسة وفد "الملتقى" في لقاءاته مع قادة البرلمان، قبل إصدار القانون، اعتبر أن اللائحة وفاء من الحكومة لتعهدات قدمتها الى هيئات دولية بتأكيد حسن نياتها تجاه العمل الاهلي. وقال ل"الحياة" إنه رغم ما ورد في القانون من مساوئ، إلا أن تفسيرات اللائحة سهلت قدر الإمكان لجهة الأفضل، وهي خطوة نحو الديموقراطية، في انتظار خطوات أخرى". جبهة الحقوقيين اتجهت الى مسار مختلف، واعتبرت أن اللائحة رغم ما ورد فيها من تسهيلات، لا تستطيع مخالفة القانون. وقال الأمين العام للمنظمة المصرية السيد حافظ أبو سعدة ل"الحياة": "إن قيود تأسيس الجمعيات ما زالت واردة، وللإدارة سلطة الرفض، وللمتضرر اللجوء الى القضاء، والعقوبات السالبة للحرية منصوص عليها، وحقوق الإدارة في التدخل في قرارات مجلس الإدارة قائم، وحق الاعتراض على المرشحين مستمر". يذكر إلى أن اللائحة التفسيرية للقانون، تجاوزت كثيراً تحفظات أحزاب المعارضة، خصوصاً الالتباس الذي كان قائماً في شأن توضيح معنى حظر النشاط السياسي على الجمعيات، وتم تحديده في كل نواحي الانتخابات العامة، اضافة الى إقرار جهة الإدارة بنشاط حقوق الانسان، ضمن النشاطات المسموح بها في مجال العمل الطوعي، وتغليب مبدأ الانتخاب في الاتحادات الاقليمية، فضلاً عن تيسيرات جمركية وضرائبية عدة لتعميق الدور التنموي والاجتماعي للمنظمات. محصلة التطورت الأخيرة، تشير إلى تفرد المنظمات الحقوقية بموقف المناهضة للقانون، وتراجع مواقف الأحزاب والجمعيات الى مستوى التحفظات، والمطالبة بتطوير بعض مواده، وانعكس ذلك جلياً على بيان المطالبة بمحاكمة وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة الدكتورة ميرفت تلاوي لمسؤوليتها عن القانون الذي حمل توقيع منظمات حقوقية فقط. ولم يعد مطروحاً أمام المنظمات الحقوقية سوى خيار العمل وفقاً للقانون او تنفيذ تهديدات أطلقتها في آيار مايو الماضي، بإغلاق مقارها في القاهرة، وتأسيس مراكز لإطلاق نشاطها خارج مصر في بلدان أوروبية وأميركية. وقال أبو سعدة ل"الحياة": إن "هذه الفكرة ما زالت مطروحة، وإن كانت لا تلقى إجماعاً بين الحقوقيين، فالتجارب أثبتت ان العمل خارج البلاد ينتهي الى الفشل، والتحول الى دمية في أيادي أطراف أخرى، ويفقد أصحابها قاعدة تأثيرهم الحيوية في أوساط الرأي العام الوطني". أصحاب فكرة "الهجرة" يتحدثون عن قيود ستفرضها الإدارة في الممارسة الفعلية عند تطبيق القانون، بغرض محاصرة نشاط الحقوقيين وتقليصه، خصوصاً من زاوية "التمويل"، وهي القضية التي تثير جدلاً، ووجدت الحكومة تأييداً رسمياً لأفكارها من غالبية فصائل المعارضة، ويعتبرها الحقوقيون" مركز الخلاف الأساسي مع جهة الإدارة. المؤكد أن فكرة "الهجرة" والعمل من الخارج، ستكون إحدى نقاط الخلاف داخل جماعات الحقوقيين في المرحلة المقبلة، كما قال حقوقي مؤيد لها "مكاتب الخارج ليست بديل عن نشاط الداخل، وإنما احتياطي ومعاون لها في الظروف الطارئة". ويطرح البحث عن بدائل للفكرة أوضاعاً صعبة للغاية. وحسب أبو سعدة "لو افتقدنا التمويل سنغلق أبوابنا، ولا سبيل لاستمرار نشاطنا".