سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تسوية المرحلة الثانية والأخيرة في النزاع الاريتري - اليمني على حنيش حدث مميز لم تستفد منه دول المنطقة . القرن الافريقي 1999 يخيب آمال شعوبه والصومال يبدأ عقداً جديداً من الحروب القبلية : التحالفات الجديدة زادت من تعقيدات النزاعات
مرة اخرى، يخيب القرن الافريقي آمال شعوبه في تحقيق السلام وانهاء النزاعات في دوله وفي ما بينها مع نهاية 1999، فها هو العام 2000 يسجل بخجل في ايامه الاولى انقضاء عقد من الزمن في الصومال، فيما الحروب القبلية ما زالت مستعرة فيه، ولا مؤشر ملموساً الى نهاية لهذه الحروب. كما تُسجل السنة الجديدة بحياء ايضاً، استمرار النزاع الاريتري - الاثيوبي الذي بدأ في ايار مايو 1998على مناطق حدودية بين البلدين في مثلث يغرا الصخري الذي تبلغ مساحته 400 كيلومتر. وقتل خلال هذا النزاع عشرات الالاف من شعبي البلدين على هذه المساحة الصغيرة من الارض القاحلة. وان كانت جيبوتي استقرت نسبياً خلال 1999، إلا ان نار النزاعات في المنطقة طالتها ولو من بعيد، فقطعت علاقاتها الديبلوماسية مع اريتريا. كما شهدت السنة نفسها تنازل رئيس جيبوتي العجوز حسن غوليد ابتيدون 92 سنة عن السلطة التي استمر على رأسها 22 عاماً، او كما اعلن بنفسه عدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها ابن اخيه الرئيس الحالي اسماعيل عمر غيللي. وعلى الجانب المقابل للقرن حيث تستقر في المحيط الهندي جمهورية جزر القُمر الفيديرالية الاسلامية، اعتبر رئيس اركان الجيش الكولونيل عثمان غزالي ان ثمة "جموداً متعمداً" في الجهود الجارية لتسوية مشكلة انفصال جزيرة هنزوان وتمردها على بقية الجزر منذ العام 1977، فقرر في نيسان ابريل 1999 الانقلاب على السلطة المركزية وتسلم رئاسة البلاد في العاصمة موروني "لمنع البلاد من السقوط في الفوضى". وانتهت السنة بمزيد من الجمود ولم تخرج من الفوضى. وربما كانت تسوية مسألة النزاع اليمني - الاريتري على ارخبيل حنيش في البحر الاحمر ابرز واهم حدث ايجابي في القرن، بل في كل القارة الافريقية خلال عامي 1998 و1999، لكن يبدو ان الاحداث الايجابية تضيع او لا تأخذ حقها من الاهتمام، وذلك على الرغم من انها يمكن ان تكون درساً لحل نزاعات جارية في المنطقة. كان الخلاف على مجموعة الجزر، القريبة من باب المندب، تطور الى نزاع مسلح في كانون الاول ديسمبر 1995، لكن البلدان قررا اللجوء الى محكمة دولية حكمت في التاسع من تشرين الاول اكتوبر 1998 بحق اليمن في السيادة على الجزر. وفي الاول من الشهر التالي سلمت اريتريا رسمياً الجزر الى اليمن وباشر البلدان مرحلة جديدة في إعادة تطبيع العلاقات بينهما. وفي الشهر الاخير من 1999 انهت المحكمة الدولية المرحلة الثانية من التحكيم بترسيم الحدود البحرية مناصفة بين البلدين، وتعهدت اريتريا احترام قرار الترسيم الذي اعتبر انتصاراً ديبلوماسياً متميزاً يشكل مساهمة بارزة في تأمين السلام والاستقرار في المنطقة. لكن الامر لم يكن كذلك في النزاع على البر بين اثيوبيا واريتريا الذي بدأ في ايار 1998ولم ينته حتى الان. إذ شهد ذلك العام فشل عشرات المبادرات الدولية والاقليمية في جمع الطرفين الى اتفاق، إلا انهما وافقا اخيراً على مبادرة اقترحتها منظمة الوحدة الافريقية. وعندما وضعت المنظمة "خطة إطار العمل" وفيها الترتيبات التقنية للحل، اعترضت اثيوبيا عليها وقبلتها اريتريا. ومضت سنة 1999 بين رسائل اثيوبية تطلب توضيح نقاط معينة في الخطة، وبين انتظار الرد من المنظمة على طلبات اديس ابابا. لكن بين الطلبات والردود عليها، كانت المعارك تتصاعد على الجبهات الحدودية منذ شباط فبراير وحتى مطلع تموز يوليو. بعد ذلك هدأت جبهات القتال، لكن ما اطلق عليه تسمية "حرب الرعايا" استمرت حتى نهاية السنة. وفي هذه الحرب ابعدت اثيوبيا عشرات الآلاف من الاريتريين المقيمين في اثيوبيا الى درجة اضطرت اللجنة الدولية للصليب الاحمر لإصدار بيانات تنتقد فيها عمليات الابعاد التي تمت من دون ابلاغ اللجنة. وكانت اثيوبيا المستعمر السابق لاريتريا فقدت ميناء عصب منفذها الوحيد على البحر بعد تحرير اريتريا العام 1991، لكننها ظلت تستخدم الميناء ضمن اتفاق بين الدولتين حتى حصول النزاع الحدودي. واضطرت آنذاك الى استخدام ميناء جيبوتي، الامر الذي حدا بأريتريا الى اتهام الحكومة الجيبوتية بالمساهمة في المجهود الحربي الاثيوبي بتوريد الاسلحة عبر مينائها، فردت جيبوتي بقطع علاقاتها مع اسمرا. لكن اللافت في الاشهر الاخيرة من السنة ظهور تركيبة جديدة للتحالفات في المنطقة زادت من تعقيدات المشاكل بين دول القرن الافريقي. فاثيوبيا التي قطعت علاقاتها مع السودان منذ اتهامها له باإواء منفذي محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا العام 1975، بدأت تقترب من الحكومة السودانية لاستقطابها الى جانبها ضد اريتريا. واعلنت في تشرين الاول اكتوبر الماضي انها لم تعد تتمسك بمطالبتها الخرطوم تسليم المتهمين بمحاولة الاغتيال، وتراجعت في الوقت نفسه عن مهمتها المكلفة بها من "السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" إيغاد لحل الازمة الصومالية، لتؤيد في المقابل مبادرة عرضها الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر غيللي في هذا الشأن. وأيد السودان ايضاً المبادرة نفسها. وكشفت الحكومة الاثيوبية هذا التحالف بوضوح عندما اعلن الناطق باسمها هايلي كيروس بعد انتهاء قمة "إيغاد" التي عقدت في جيبوتي نهاية تشرين الاول، وقال: "ان اريتريا تفرض على كل دول الجوار المتضررين منها أن يتفقوا ضدها لحماية مصالحهم المشتركة". وفي هذا الاطار ايضاً، كانت قطر نجحت في جمع الرئيسين الاريتري اساياس افورقي والسوداني عمر البشير في الدوحة للتوقيع على اتفاق يمهد لعودة العلاقات بين بلديهما. لكن السنة انتهت ولم ينُفذ الاتفاق وبالتالي لم تتم إعادة العلاقات. الصومال شهد في نهاية 1999 إنقضاء عشر سنوات على الحرب الاهلية فيه من دون التوصل الى حل لأزمته. وواصل قادة الميليشيات حروبهم في جنوب البلاد، فيما استمرت "جمهورية ارض الصومال" التي كانت اعلنت في العام 1991 دولة مستقلة في شمال البلاد حكمها الذاتي من دون اعتراف دولي بها. كذلك ثبتت "دولة بونت لاند" بلاد البونت في شمال شرقي البلاد حكمها الذاتي. وظهرت في نهاية السنة دويلة قبائل الرحنوين الجديدة في جنوب غربي الصومال. ولم تبرز اي مؤشرات خلال السنة الى احتمال توحيد هذه الكيانات التي افرزتها الحرب الاهلية، وادى ذلك الى انكفاء المجتمع الدولي عن تقديم اي مساعدات تنموية مشترطاً حصول تقدم في اتجاه المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة لاستئناف مساعداته. والمبادرة التي كان عرضها الرئيس الجيبوتي غيللي امام الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول سبتمبر الماضي، تستند في مرحلتها الاولى الى عقد مؤتمر للمصالحة يجمع بين "الممثلين للمجتمع المدني وقادة الفصائل المتحاربة" يجب ان ينص على "تعهدات" تشمل "الاعتراف بمبدأ ان الشعب الصومالي حر في التعبير عن حقه الديموقراطي في ان يختار زعماءه المحليين والوطنيين، وفقاً لجدول زمني متفق عليه". وان يتفق قادة الفصائل المتحاربة على "تحويل تنظيماتهم الى احزاب سياسية تتنافس في انتخابات، اذا شاءت ذلك. وتلتزم نزع سلاحها". واعطى غيللي في مبادرته ضمانات للمجتمع الدولي والجهات المانحة للمساعدات التي انكفأت عن الصومال بعدما فقدت الامل في حصول اتفاق يسمح لها باستئناف مساعداتها. وقال: "يجب ان يوافق المجتمع الصومالي على مطلب المجتمع الدولي في ان يساعد على إعادة الاوضاع الطبيعية والقانون والنظام واطار للحكم". وفي المرحلة الثانية، يقول غيللي: "إذا لقيت هذه الاقتراحات الرفض من قبل قادة الفصائل المتحاربة، فإن على المجتمع الدولي ان يُظهر بقوة انه لا يمكن ان يسمح لاضطهاد المجتمع الصومالي ... ويجب ان توجّه الى قادة الفصائل المتحاربة تهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، ويجب ان يخضعوا للمحاسبة على اعمالهم عن اساءة استخدام السلطة". ويعول كثير من الصوماليين على امكان نجاح هذه المبادرة، خصوصاً لأنها تقلص من دور قادة الميليشيات في مقابل إعطاء دور اكبر لهيئات المجتمع المدني. لكن مراجعة عشرات المبادرات السابقة والاتفاقات التي وقّعت خلال السنوات العشر الماضية لا تسمح بكثير من التفاؤل.