شكّلت السنة 1999 بداية النهاية لرفع العقوبات الدولية التي فُرضت على ليبيا بسبب قضية لوكربي في 1992. وقد نجح الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في تقديم نفسه، في 1999، بوصفه "حكيم افريقيا"، بعدما ارتبطت صورته على مدى العقود الماضية ب "الثوري" أو "الإرهابي". في نيسان ابريل، توّجت ليبيا سلسلة طويلة من المفاوضات السرية مع المملكة العربية السعودية وجنوب افريقيا، بإعلان قبولها تسليم مواطنيها عبدالباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة المتهمين في قضية لوكربي التي حصلت في كانون الأول ديسمبر 1988 فوق إسكتلندا، الى القضاء الاسكتلندي الذي سيتولّى محاكمتهما في قاعدة أميركية سابقة في زايست قرب اوتريخيت هولندا. ووافقت هولندا على ان تمنح، إستثنائياً، السيادة على هذه القاعدة لاسكتلندا التي كانت تُصرّ مع الولاياتالمتحدة على ان لا حل لقضية لوكربي ما لم تُسلّم ليبيا المتهمين الى اسكتلندا حيث انفجرت الطائرة او الولاياتالمتحدة كون شركة الطيران التي إستهدفها التفجير، "بان أميركان"، أميركية. ومثل المتهمان بالفعل أمام القضاء الإسكتلندي حيث تم توجيه الإتهام رسمياً اليهما بالقتل والتآمر للقتل وتعريض سلامة الملاحة الجوية للخطر، وهي إتهامات يُصر المقرحي وفحيمة على نفيها. وبعدما كان يُتوقع ان تبدأ المحاكمة رسمياً في شباط فبراير المقبل، أعلنت المحكمة الإسكتلندية تأجيلها ثلاثة أشهر جديدة. وعلى خط مواز لحل قضية لوكربي، قطعت ليبيا شوطاً آخر على خط تحسين علاقاتها مع بريطانيا. فبعد أشهر من المفاوضات السرية مع مسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية، أعلن الطرفان في الصيف توصلهما الى تسوية قانونية لقضية الشرطية إيفون فلتشر التي قُتلت خلال تأمينها الحراسة لمجموعة من المعارضين الليبيين الذين كانوا يتظاهرون أمام سفارة بلادهم في لندن سنة 1984. وكان البريطانيون يصرّون على ان فلتشر قُتلت برصاص إنطلق من داخل السفارة الليبية، وهو أمر نفته طرابلس. وبموجب إتفاق التسوية، وافقت ليبيا على ان تُقر بمسؤوليتها عن مقتل فلتشر وان تدفع تعويضات لذويها، في حين وافقت لندن على ان تبحث في إتهامات ليبيا لها بإيواء "إرهابيين" ينتمون الى تنظيمات معارضة لها. ودفعت طرابلس بالفعل تعويضاً لم يُحدد لعائلة فلتشر، أعلنت لندن على أثره رفع العلاقات الديبلوماسية مع طرابلس الى مستوى السفير. وفي حين أرسلت بريطانيا سفيراً جديداً الى طرابلس، لم تُعلن ليبيا بعد إسم السفير الذي تنوي تعيينه في لندن. وإذا كانت العلاقات الليبية - البريطانية شهدت هذا القدر الكبير من التحسن، فإن العلاقة الليبية - الأميركية بقيت "في الثلاجة". إذ أصرّت واشنطن على ان تُقدم طرابلس على مزيد من الخطوات التي "تثبت جدّيتها" في طي صفحة "ماضيها الإرهابي". ومن بين المطالب الأميركية ان تتعاون ليبيا مع التحقيق في قضية لوكربي، وان تدفع تعويضات لذوي الضحايا، وان تؤكد نبذها الإرهاب. وفي خصوص النقطة الأخيرة، أقرت واشنطن بأن ليبيا توقفت، في 1999، عن تقديم دعم لمنظمات إرهابية. وشهدت السنة 1999 أيضاً توجّهاً لطرابلس نحو "الأفرقة" بعد سنوات من التركيز على الإنتماء العربي لليبيا. وقامت ليبيا، في هذا الإطار، بمبادرات عديدة لحل مشاكل القارة السمراء، داعية الى قيام "الولاياتالمتحدة الافريقية" على غرار "الولاياتالمتحدة الأميركية". وهي إستضافت في مدينة سرت، في الصيف الماضي، قمة إفريقية حضرها عدد كبير من زعماء القارة، توّجت الحضور القوي للقذافي في الساحة الإفريقية. وقام القذافي، في هذا الإطار، بمبادرة مشتركة مع مصر لتسوية الأزمة السودانية. لكن واشنطن تحفظت عن المبادرة الليبية - المصرية.