شكّل رحيل الملك الحسن الثاني في 23 تموز يوليو الماضي الحدث الاكثر بروزاً في تاريخ المغرب الحديث، كون اجيال من المغاربة لم يعرفوا حاكماً للبلاد غيره خلال الاربعين عاماً الماضية. بيد ان تولي نجله محمد السادس الحكم بعده وفق التقاليد الدستورية ونظام البيعة حوّل رحيل الحسن الثاني الى ما يشبه بداية تصحيح لفترة حكم كاملة. احتلت الملفات العالقة في قضايا حقوق الانسان ومفهوم ممارسة السلطة وتكريس منظور جديد للتعاطي وقضية الصحراء الغربية صدارة الاهتمام في بداية عهد الملك محمد السادس. فأُعلن تشكيل لجنة مستقلة لتقويم التعويضات التي ستمنح للمختفين وضحايا الاعتقال التعسفي، ما اعتُبر سابقة على صعيد اعتراف السلطات بممارسات غير قانونية. وفي هذا الاطار، اختارت عائلة الراحل المهدي بن بركة الذي غيّبه الموت في فرنسا في ظروف غامضة عام 1965، العودة الى المغرب في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، في خطوة اذنت بفتح ملف قضية المعارض الراحل المرتبطة بتداعيات الصراعات السياسية في مغرب ما بعد الاستقلال مباشرة. وعلى رغم المؤشرات الايجابية على صعيد التعاطي وملف الشيخ عبدالسلام ياسين زعيم جماعة "العدل والاحسان" المحظورة الموجودة رهن الاقامة الجبرية، فالأرجح ان الحوار غير المباشر بين السلطات والشيخ ياسين لم يقد الى حل وفاقي، ما يعني اضافة عام جديد الى سنوات الاقامة الجبرية للشيخ ياسين. في حين بدا ان بعض التيارات الاسلامية المعتدلة مضى قدماً على طريق لاندماج في العمل السياسي المشروع. اذ اصبح المنتسبون الى حزب العدالة والتنمية يملكون كتلة نيابية في مجلس النواب للمرة الاولى في تاريخ المؤسسة الاشتراعية. وفي ارتباط مع تطورات اوضاع حقوق الانسان، اقال الملك محمد السادس الرجل القوي في البلاد السيد ادريس البصري، وزير الداخلية السابق. في التاسع من تشرين الثاني، وأنهى بذلك اكثر من ربع قرن لتحمله مسؤولية ادارة ما يعرف في المغرب ب"أم الوزارات". ولم ينفع منحه اياه وساماً رفيعاً في التقليل من الانتقادات الصادرة ضد فترة تحمله مسؤولية الداخلية. وتحوّل التكريم الذي اقامه رئيس الوزراء المغربي السيد عبدالرحمن اليوسفي للوزير المقال الى جدل سياسي عاصف بين احزاب التحالف الحكومي، وبدا لأكثر من مراقب ان حضور الوزير السابق في الحياة السياسية القى بظلاله على اوضاع الفاعليات السياسية حتى بعد رحيله. وعرفت نهاية العام الجاري اتساع نطاق التجاذب السياسي بين الاتحاد الاشتراكي والاستقلال حول هذه القضية بالذات. لكن خلفيات ذلك تكمن في ان عدم رضى الاستقلال ازاء اداء حكومة اليوسفي كان سابقاً لاقالة البصري، وزاد حدة في ضوء مبادرة التكريم التي اقدم عليها رئيس الوزراء. لكن تنظيمات موازية لاحزاب الائتلاف الحكومي اختارت الرد على ذلك التكريم بالاعلان عن تنظيم محاكمة رمزية لوزير الداخلية السابق حددت لها نهاية العام. وهي المرة الاولى التي تتم فيها مثل هذه المحاكمة التي كانت بدأت في التقاليد السياسية عبر ادانة اوضاع المرأة عبر محاكمات رمزية لمظاهر انعدام المساواة وتعرض المرأة الى الاجحاف. وكان لافتاً، في السياق نفسه، ان الجدل حول خطة اقرتها الحكومة للنهوض بأوضاع المرأة تحول الى تجاذب حول مدى ملاءمة الخطة الحكومية للشريعة الاسلامية. الى ذلك، تميزت السنة 1999 بتجديد الملك محمد السادس الثقة في حكومة اليوسفي. وحرص الملك في اول خطاب للعرش ألقاه في نهاية تموز الماضي على الاشادة باليوسفي، لكن هذا الاخير - على رغم الضغوط التي تعرضت لها حكومته - اختار المضي قدماً في تجربة التناوب. وأعلن انه في حال تمكن من تنظيم انتخابات اشتراعية نزيهة بعد الولاية الراهنة، فان ذلك سيكون مكسباً للديموقراطية. و تميز العمل الحكومي، في غضون ذلك، بالانفتاح اكثر على العواصم الافريقية. لكن علاقات المغرب وبلدان الاتحاد الاوروبي عرفت تطورات لجهة تفهم المطالب المغربية في موضوع تحويل الديون الخارجية الى استثمارات، كما فعلت اسبانياوفرنسا. اما ملف الصيد الساحلي فقد ألقى بظلاله على محور العلاقات المغربية - الاسبانية. اذ شكل الاتفاق السابق بين المغرب وبلدان الاتحاد الاوروبي الاخير من نوعه، فيما واصل الطرفان مفاوضات عسيرة حول الملف الذي يؤثر في علاقات الرباط ومدريد. ولم تعرف اوضاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شمال البلاد اي تطور خلال العام الجاري، في مقابل تزايد حركات الهجرة غير المشروعة نحو اسبانيا واوروبا عبر البحر المتوسط الذي تحول الى "مثلث للموت" للشبان المغاربة المغامرين بحثاً عن فرص عمل في اوروبا. وعلى صعيد العلاقة بين الحكومة والمركزيات النقابية، عادت اجواء العام 1990 لتلقي بظلالها المتوترة. فقد انهت المركزيات النقابية الاتحاد المغربي للعمل، والكونفيديرالية الديموقراطية للعمل والاتحاد العام للعمال فترة السلم الاجتماعي، ونفذت اضرابات في قطاعات عدة، طاولت المصارف والتعليم والزراعة والنقل. وعلى رغم ان النقابات قريبة من الاحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، فانها لوّحت بامكان شن اضراب عام استخدمته بمثابة ورقة ضغط في مواجهة الحكومة وأمهلتها الى نهاية الشهر المقبل، في حين بدا ان الملفات الاجتماعية تصاعدت حدتها. وعرفت السنة 1999 سلسلة اعتصامات امام البرلمان وامام الولايات ومقرات الوزارات. وبعد ان كانت الحكومة ترى في ذلك انفتاحاً سياسياً، لجأت في الفترة الاخيرة الى سن قوانين اجرائية جديدة ترهن الاحتجاجات والاعتصامات بالحصول على موافقة السلطات. وارتبط وضع هذه الاجراءات بوزير الداخلية الجديد السيد احمد الميداوي الذي عرض لمظاهر الانفلات الأمني في حال استمرار تلك الاحتجاجات من دون ترخيص. لكن الوزير الجديد دشّن فترة تعيينه بتأكيد التزامات احترام حقوق الانسان وبناء دولة الحق والقانون. وظهر للمرة الاولى في برنامج تلفزيوني، ما اعتبرته الفاعليات السياسية تحولاً في مفهوم ممارسة السلطة. واللافت في غضون هذه التطورات ان قضية الصحراء تأثرت بتلك الاجواء. فقد عرفت المحافظات الصحراوية احداث عنف وقلاقل مدنية عزتها السلطات المغربية الى دوافع اجتماعية، ما حدا بالعاهل المغربي الى تشكيل لجنة ملكية واستبدال المحافظ احمد عزمي المنسق السابق مع "المينورسو" بالديبلوماسي احمد لويشكي. وتم في غضون ذلك الاعلان للمرة الاولى عن اعتقال صحراويين قيل انهم ناشطون يعملون لحساب جبهة "بوليساريو". لكن التطور البارز في الملف الصحراوي تمثل في استحالة اجراء الاستفتاء الذي كان مقرراً في تموز يوليو 2000 في موعده المحدد. وأعلن الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ان المعطيات الراهنة تفيد بامكان تنظيم الاستفتاء في عام 2002 في اقل تقدير. وعزا ذلك الى تزايد عدد الطعون في ملفات تحديد الهوية. وتميزت السنة بنشر القوائم الموقتة للناخبين المحتملين للمرة الاولى. لكن السلطات المغربية التي سجلت في وقت سابق ان عدد الناخبين في الطرف المغربي يرجح كفتها، اتهمت لجنة تحديد الهوية بالتلاعب في القوائم، عبر انقاص اعداد من الطرف المغربي واضافتها الى قوائم بوليساريو. لكن مراقبين لتطورات الصحراء اعادوا الى الأذهان امكان البحث في حل بديل للاستفتاء، وهي فكرة سابقة كانت طرحت في الاعوام الاولى لاندلاع النزاع، ومفادها بسط سيادة المغرب على المحافظات الصحراوية، على ان تتوافر لها صلاحيات واسعة اقل من حكم ذاتي واكبر من التنظيم الجهوي منح المحافظات صلاحيات ادارة الشؤون المحلية. رحيل الملك الحسن الثاني حمل معه مؤشرات لجهة امكان حدوث انفراج في العلاقة بين المغرب والجزائر، استندت الى مشاركة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في جنازة الملك الراحل. وتبادل المغرب والجزائر رسائل حميمية اعتبرت الاولى من نوعها على مستوى ابداء الرغبة في انعاش علاقات البلدين. واصبح امكان معاودة فتح الحدود قاب قوسين او أدنى من التنفيذ. لكن احداث ولاية بشار جنوب شرقي الجزائر عصفت بتلك الآمال. اذ صدرت اتهامات جزائرية صريحة للمغرب بايواء ناشطين اسلاميين تورطوا في الحادث. وعلى رغم نفي السلطات المغربية تلك الاتهامات، فقد ألقى الحادث ظلالاً من الشكوك حول حقيقة المواقف، ما حدا بمسؤولين عرب وأجانب الى القيام بمساع وفاقية، لم ترتد طابع الوساطة، لكنها اهتمت برأب الصدع. لكن الثابت ان القمة المغاربية التي كان يُعول عليها المغرب والجزائر على حد سواء لم تلتئم في 1999 التي سجلت بقاء الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة للعام السادس على التوالي.