اذا تحدثنا عن أزمة المشاركة السياسية- وهي تعني ببساطة إحجام المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية وعن محاولة التأثير على عملية صنع القرار- فقد نعني تلك الظاهرة العامة التي يعاني منها كثير من دول العالم وبخاصة دول العالم الثالث، واحيانا اخرى قد يشمل هذا القصور فئات بعينها كالمرأة او مراحل عمرية او مستويات محددة من الدخل. وقد ترفع نسبة المشاركة مع انتشار اشكال سلبية لها، اذ ترتفع نسبة العضوية في الاحزاب السياسية بينما لا يساهم الاعضاء مساهمة ايجابية في النشاط الحزبي. وقد يشارك البعض في الحياة السياسية العامة عن طريق الترشيح لعضوية المجالس النيابية، ثم لا يقومون بدور ايجابي يذكر ويفضل بعضهم الصمت. ويلاحظ أن ضعف تكوين البناء السياسي في دول العالم الثالث افرز تصاعدا في أزمة المشاركة، احيانا لعدم وجود دستور، واحيانا اخرى للفجوة التي توجد بين نصوصه وبين الممارسة الفعلية للسلطة. وفي حين يخلو بعض الدول من المجلس النيابي المنتخب او حتى المعين، توجد في نظم اخرى برلمانات شكلية لا تكاد تزاول دورها التشريعي والرقابي. وبينما يرفض بعض النظم الاخذ بالنظام الحزبي تتبنى دول اخرى صيغة الحزب الواحد الذي تنحصر مهمته في حشد الجماهير لمساندة الحاكم. وحتى لو طبق بعض تلك الدول التعددية الحزبية فانها تحاصر بقيود قانونية وعملية تجعلها اقرب الى نظام الحزب الواحد. وتحاط نشأة وانشطة المجتمع المدني بالقيود وتخضع وسائل الاعلام لسياسة النخبة وتميل الى الاسلوب التعبوي ولا تترك مساحة للرأي الاخر. ولاشك ان كل ذلك له انعكاساته السلبية على مفهوم المشاركة لدى الموطنين. وتشير الادبيات السياسية التي تبادلت ظاهرة المشاركة بالدراسة الى تأثرها ببعض المتغيرات ومنها: أ- العامل الطبقي ومستوى الدخل: يرى المحللون السياسيون ان افراد الطبقة العليا اكثر ميلا للمشاركة بالقياس الى افراد الطبقة الدنيا، وان كان هذا لا يعني ان كل تحسن في المستوى الاقتصادي، وبالتالي في الوضع الطبقي يقابله بالضرورة ارتفاع في مستوى المشاركة السياسية. واصحاب الدخل المرتفع هم اكثر مشاركة من ذوي الدخل المتوسط كما ان اصحاب الدخول المتوسطة اكثر مشاركة من ذوي الدخل المنخفض. ب- التعليم: يرتفع مستوى المشاركة بارتفاع مستوى التعليم، وتعد الامية واحدة من اخطر معوقات المشاركة في دول العالم الثالث. ج- النوع: يلاحظ ان المرأة عموما اقل ميلا للمشاركة من الرجل، غير ان التطور الاقتصادي والاجتماعي يعمل على تضييق هذه الفجوة. د- السن: تتأثر المشاركة ايضا بعامل السن فيتجه مستواها الى الارتفاع تدريجيا مع تقدم، العمر ويبلغ ذروته في الاربعينات والخمسينات ثم يهبط تدريجيا بعد سن الستين. كان صمويل هنتغتون في مقدمة الباحثين الذين اشاروا الى الدور المحوري للمشاركة السياسية في عمليات التحديث والتنمية السياسية وزيادة شعور المواطن بالانتماء. ولكي تزدهر المشاركة السياسية لا بد من توافر مناخ ديموقراطي حقيقي يقوم على التعددية الحزبية وامكان تداول السلطة بين مختلف القوى من خلال انتخابات دورية حرة مع توافر حقوق متساوية للمواطنين. وفرص للاشتراك المباشر في ادارة شؤون المجتمع، واشاعة ثقافة ديموقراطية من خلال الوسائل الاعلامية المختلفة مع ارتفاع نسبة المتعلمين ووجود مجتمع مدني قوي تتمتع فيه المنظمات السياسية والنقابية بالاستقلال. ومن الناحية الاقتصادية يجب ان يبلغ المجتمع مرحلة من النمو الاقتصادي تكفي لاشباع الحاجات المتزايدة للمواطنين مع توفير حد ادنى من الدخول التي توفر حياة معيشية مستقرة. بينما تؤدي المحددات السلبية الى إنخفاض معدل المشاركة ويرتبط بعضها بالثقافة السياسية وضعف النظام الحزبي وهيمنة التنظيم السياسي الواحد. وهنا يرى بعض علماء الاجتماع السياسي امثال وينر ولا بالومبارا، ان مجرد وجود نظام حزبي لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية وان هناك عدة اسباب لذلك. الاول: يتعلق بنظام القيم السائد والنظر الى المزيد من المشاركة باعتبارها نوعاً من التهديد لتلك القيم. فاذا كانت فكرة الحكم النيابي ذات اولوية متأخرة مقارنة بغيرها من القيم التي تتبناها النخبة، يمكن ان يؤدي ذلك الى تردد في قبول فكرة توسيع المشاركة. وعامل آخر له طابع سيكولوجي يتضمن افتراض ان النخب الجديدة في ظل النظام الحزبي تجد صعوبة في ان تتقاسم مع المطالبين الجدد بالمشاركة في القوة والسلطة السياسية التي عليها انتزاعها من النظام القديم. اما الحالات التي يسمح فيها بالمشاركة الكاملة الحزبية، فيكون ذلك اما بسبب عدم اعتبار توسيع المشاركة تهديداً خطيراً لبقاء النظام، او ان يعتبر الالتزام بالمشاركة نفسه من القوة بحيث يطغى على اي تهديدات يتعرض لها النظام او قيم النخبة المسيطرة. ولأن اياً من هذين الشرطين لا يتحقق غالبا، فان اغلب الامثلة التاريخية والمعاصرة قاصرة عن تحقيق هذا النمط او الاستجابة لازمة المشاركة. ويصعد من الازمة عوامل اخرى مثل الضغوط الاقتصادية وانخفاض مستوى التعليم وانتشار الامية وزيادة التوتر الاجتماعي نتيجة لتفاقم المشاكل العرقية او الدينية او الطائفية. المقولة الخاصة بأن وجود نظام حزبي لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية صحيحة في ما يتعلق بالاوضاع السائدة في مصر. فمنذ عودة نظام حزبي لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية صحيحة في ما يتعلق بالاوضاع السائدة في مصر. فمنذ عودة نظام التعددية الحزبية المقيدة في تشرين الثاني نوفمبر 1976، لا توجد دلائل على انخراط اعداد كبيرة من المواطنين في المشاركة السياسية، بل ان هناك من المؤشرات التي تؤكد ضعف هذه المشاركة. فعضوية الاحزاب السياسية محدودة جدا ولا تزيد عن 10 في المئة من جملة المؤهلين للمشاركة السياسية في مصر. وحتى لو اعتمدنا على تقديرات حجم العضوية في الاحزاب، ان هذا الحجم محدود لأسباب عدة منها ضعف تغلغلها في القاعدة الاساسية للمجتمع وعدم تمثيلها لمختلف التكوينات الاجتماعية والاقتصادية. فأغلبها يضم في عضويته الشرائح العليا من البورجوازية والمثقفين والقيادات التنفيذية العليا، بينما القليل منها يتوجه الى الطبقة المتوسطة العريضة ومنها حزب العمل، او الى الطبقة الفقيرة والمعدمة، كحزب التجمع اعتمادا على خطابه اليساري. ولاشك ان ظاهرة المرشحين المستقلين تكشف عن ادراك المواطنين لمحدودية فاعلية الاحزاب وتفضيلهم دخول الحياة السياسية من دون انتماء حزبي. ويعد ضعف النظام الحزبي في مصر احد المعوقات الرئيسية التي تواجه عملية التحول الديموقراطي اذ ادى عدم التمثيل المتوازن للاحزاب والقوى السياسية داخل المجلس النيابي الى ترجيح كفة دور المجلس في مساندة الحكومة بدلا من مساءلتها. مؤشر آخر على ضعف المشاركة السياسية هو انخفاض نسبة التصويت في انتخابات مجلس الشعب البرلمان خلال ثلاثة عقود، باستثناء العام 1987. فلقد بلغت نسبة المشاركة العام 1976نحو43 في المئة من اجمالي المقيدين في الجداول الانتخابية، وصلت الى 50 في المئة العام 1987وانخفضت العام 1990 نتيجة لمقاطعة جميع الاحزاب، ما عدا الحزب الوطني وحزب التجمع، الى 44 في المئة، ثم ارتفعت ارتفاعا طفيفا العام 1995 لتصل الى 94،49 في المئة. بينما بلغ عدد المرشحين لانتخابات المجالس الشعبية والمحلية في نيسان ابريل 1997- 59 الف مرشح، رغم ان عدد اعضاء هذه المجالس يزيد عن 47 الف عضو. والجدير بالذكر انه لا توجد فرص حقيقية للمشاركة السياسية من خلال عضوية النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والجمعيات الاهلية، فهي ممنوعة قانونا من ممارسة النشاط السياسي. اما بالنسبة الى المرأة، فقد اصبح وجودها نادرا على قوائم المرشحين في الانتخابات النيابية والمحلية وشبه منعدم بين قيادات الاحزاب والنقابات المهنية والعمالية. وعلى رغم الجهود المبذولة للدفاع عن حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الا انها احيانا عندما تتاح لها فرصة المشاركة، لا يرتقي اداؤها الى مستوى التوقعات، ففي الفصل التشريعي السابع 1995-2000 بلغ تمثيل المرأة في مجلس الشعب 9 عضوات 2 في المئة من اعضاء المجلس. ومع ذلك فقد فاق تمثيل المرأة في الاجهزة الرئيسية البرلمانية تمثيلها في المجلس، اذ وصلت نسبة تمثيلها في مكتب المجلس 33 في المئة، و3 في المئة في اللجنة العامة، و7 في المئة في اللجنة التنفيذية للشعبة البرلمانية، و3،14 في المئة في لجنة القيم و6،5 في المئة في هيئات مكاتب اللجان، ومن مجموع العضوات التسع انضمت الى الاجهزة الرئيسية 6 سيدات بنسبة 67 في المئة. ومع ذلك يلاحظ ان الاداء البرلماني للمرأة ضعيف واحيانا شبه منعدم، كما اجمعت على ذلك الدراسات المتخصصة التي تناولت بالتحليل والتقويم ادوار انعقاد المجلس واداء العضوات فيها. ان التصدي للسلبيات التي تتسبب في تصعيد ازمة المشاركة وتأكيد صدق النيات في تدعيم عملية التحول الديموقراطي يؤكد ضرورة تضافر الجهود لتفعيل المشاركة لتهيئة مناخ ديموقراطي يساعد على تحقيق التنمية بشقيها السياسي والاقتصادي، لذلك فالمسؤولية تقع على النخب السياسية في مراجعة وتعديل النظام الانتخابي بما يضمن نزاهته وصدقيته واتخاذ الاجراءات كافة الكفيلة بتحقيق ذلك، ومنها ربط جداول الناخبين بالرقم القومي، والسماح بالرقابة الشعبية والقضائية. فالشك في الانتخابات ونتائجها له تداعياته السلبية المؤكدة على المشاركة من جانب المواطنين. اشاعة ثقافة ديموقراطية تقوم على تربية النشء على قيم الديموقراطية والسماح بالحوار واحترام الرأي الآخر. إعادة النظر في التشريعات التي لها انعكاسات ضارة على ظاهرة المشاركة. دعم اقامة مجتمع مدني قوي يكون لمؤسساته رأي في قضايا المجتمع. واخيرا لابد من تبني القيادات المسؤولة في عالمنا النامي لمنهج جديد يقوم على اساس الخضوع لإرادة الاغلبية وقبول تداول السلطة. * كاتبة مصرية.