اختتمت بيروت عامها ك"عاصمة ثقافية عربية للعام 1999" في مسرحية "رؤية" على خشبة قصر الأونيسكو. إلاّ أنّ ختام الموسم المسرحي الذي شهدته بيروت لم يكن كثير المسك ولا "الرؤية" كانت واضحة ما يكفي! فالمسرحية التي كتبها الروائي أحمد علي الزين وأخرجها رضوان حمزة لم تستطع أن تنفتح على الجمهور ولا أن تخاطبه لا في نصّها المركّب ولا في اخراجها الباهت والضعيف. وبدا الممثلون الثلاثة كلوديا مرشليان، علي الخليل ورضوان حمزة كأنّهم ضائعون لا وسط الصحراء أو في الحفرة التي جرت فيهما الأحداث وإنّما على الخشبة التي شهدت الكثير من الفراغ والبهتان. وبدت الشخصيات الثلاث غير محبوكة وغير مرسومة بدقة علاوة على علاقاتها الهشة ولا سيّما العلاقة التي جمعت بين هاجر وأوديب وبينهما وبين رجل الحفرة أو "الآخر". ولم يدر الجمهور هل هو أمام عمل علمي - خرافي أم أمام عمل رمزي أو واقعي أم أمام مسرح داخل المسرح! لكن من الواضح أن العرض المسرحي حاول أن يكون كل هذه الأنواع معاً وفشل في تحقيق أي منها. فلا هو عرف كيف يوظف اللعبة المسرحية القائمة على استحضار شخصيات وحوارات من "أوديب" أو "هاملت" أو "ماكبث" ولا هو تمكن من الاغراق في الطابع الخرافي أو الحكائي ليرتقي بالواقع الى مرتبة الأسطورة ولا نجح في دمج الواقع بالتاريخ ليرسّخ بعض الأجواء الرمزية. ولم تكن مصادفة أن تحمل الممثلة اسم "هاجر" الشخصية القديمة ولا الممثل زوجها اسم "أوديب" الشخصية الإغريقية الشهيرة وأن يكون رجل الحفرة هو "الآخر". فالنصّ سعى الى فرض هالة وجودية أو فكرية على القضايا التي يطرحها والأسئلة التي يثيرها، وبدت تحتاج الى معالجة أشدّ رهافة وشفافية. وقد نظلم العرض إذا قلنا انه ادّعى أكثر مما يحتمل لكنه ادعى حقاً أفكاراً وأجواء ظلّت غامضة وملتبسة علاوة على تخطّي الزمن إيّاها وكذلك الفنّ المسرحي عموماً. ولعلّ أجمل ما حملت المسرحية هي تلك التحية التي وجهها الكاتب والمخرج الى يعقوب الشدراوي أحد رموز المسرح اللبناني الحديث. وقد ورد ذكره أكثر من مرّة حين كان الممثل يستعيد بعض ذكرياته في معهد الفنون. ولئن اختتمت مسرحية "رؤية" الموسم المسرحي الذي شهدته بيروت فهي اختتمته بجدية غير لازمة وبرؤية غير صحيحة تماماً.