مع قرب انتهاء العام 1999، وبينما يرجح مراقبون كثيرون نجاح المفاوضات السورية - الاسرائيلية التي ستعقد مجدداً في فرجينيا الغربية اوائل الشهر المقبل مما يبشر أيضاً باستئناف المفاوضات على المسار اللبناني، تبدو أحوال المسار الفلسطيني - الاسرائيلي من عملية السلام أسوأ من قاتمة. وبرغم كون ميزان القوى راجحاً لمصلحة اسرائيل بصورة ساحقة مقابل الكفة العربية المرتفعة خفة، فإن من غير الممكن تحقيق سلام شامل يتصف بالعدل وقابلية البقاء إذا لم ينطبق هذا السلام بتلك المواصفات على القضية الفلسطينية، جوهر الصراع العربي - الاسرائيلي. ولكن من الصعب في ضوء الحقائق الماثلة أمامنا الآن القول بإمكان انجاز تسوية نهائية على المسار الفلسطيني ما لم تغيّر حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك مواقفها من القضايا النهائية الجوهرية التي لم يبت أي منها في المفاوضات النهائية بين الجانبين حتى الآن. وتظل المعايير التي يقاس بها تحقيق أو عدم تحقيق العدالة في حل القضية الفلسطينية هي قرارات الأممالمتحدة الصادرة بإرادة المجتمع الدولي، وفي ضوء تلك القرارات ومدى قبول أو عدم قبول اسرائيل بتطبيقها يمكننا أن نقوِّم احتمالات انتهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. كانت المسألة سهلة نسبياً على المسار المصري، إذ أن حلها تلخص في انسحاب اسرائيل من شبه جزيرة سيناء وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 242، ويفترض ان يكون حل المشكلة بين سورية واسرائيل وفقاً للقرار نفسه سهلاً ايضاً، خصوصاً وأن دمشق ترى أن ثمانين في المئة من العمل المطلوب في المفاوضات قد أنجز. وإذا حدث تقدم على المسار السوري، فإنه يمهد السبيل لتحرك المسار اللبناني الذي يمكن ايجازه بانسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من الشريط الحدودي الجنوبي. أما على المسار الفلسطيني فإن الأمر أعقد بكثير. ذلك أن اسرائيل قامت لتلغي فلسطين، وتمكنت بالقوة العسكرية في حرب العام 1948 من السيطرة على أراضٍ أكثر من التي خصصت للدولة اليهودية حسب قرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1947، ثم أكملت احتلالها لرقعة فلسطين الجغرافية بأكملها عام 1967. وكانت نتيجة الحربين وجود ملايين الفلسطينيين لاجئين خارج وطنهم، خصوصاً في الأردن وسورية ولبنان، وداخل وطنهم في مخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة. وسيبقى حل مشكلة اللاجئين بموجب القرارات الدولية، وأبرزها القرار 194 أهم معيار يقرر ان كانت أية تسوية سلمية ستدوم أو لا تدوم. ويقضي القرار 194 بسماح اسرائيل بعودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم أو/و التعويض عليهم إذا اختاروا عدم العودة. لكن اسرائيل ما زالت ترفض تطبيق هذا القرار وتطالب بتوطين اللاجئين حيث هم ولا تواجه بعد أي جهد فلسطيني وعربي حقيقي لإقامة دعاوى قانونية في محكمة العدل الدولية لضمان تطبيق القرار. أما الأراضي الفلسطينيةالمحتلة في الضفة الغربيةوغزة فإن اسرائيل لم تُعد منها لأصحابها سوى مساحات ضيقة متباعدة أشبه ما تكون بالمعازل في جنوب افريقيا سابقاً. وبرغم ان اتفاق شرم الشيخ نص على تبني القرار 242 أساساً للتسوية فقد قال باراك ان هذا القرار لا ينطبق على المسار الفلسطيني، وقالت مصادر السلطة الفلسطينية لاحقاً انه اعتذر عن تصريحه ذاك، ولكن يبدو أن الاعتذار جاء همساً، فالرجل قال انه سيضم مساحات واسعة من الضفة الغربية الى اسرائيل في شكل كتل استيطانية و"مناطق أمنية عازلة" وان اسرائيل ستحتفظ بالسيطرة على القدس وعلى معابر الفلسطينيين الى محيطهم العربي. أليس هذا تكريساً لاحتلال فلسطين كاملة؟