ماذا ستكون حال المسار الفلسطيني - الاسرائيلي من عملية السلام في الشرق الأوسط في ايلول سبتمبر المقبل الموعد النهائي لاختتام مفاوضات الوضع النهائي على ذلك المسار؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة وإلحاح يفرضهما ذلك التناقض التام بين موقف الفلسطينيين وموقف الاسرائيليين في المفاوضات النهائية. يقول الفلسطيني ان القرار 242 مرجعية عملية السلام ويقضي بجلاء قوات الاحتلال الاسرائيلي عن الضفة الغربية، بما في ذلك القدس، وعن قطاع غزة. ويشير الى القرارات الدولية التي تعتبر المستوطنات اليهودية في تلك الأراضي المحتلة غير قانونية، كما يصر على حقه في التحرر والاستقلال وحقه في حدود آمنة محددة وفي نصيبه العادل من مياه بلاده. الاسرائيلي يرفض ذلك كله ويعتبر ان 242 لا ينطبق على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. والذي يعنيه بذلك ويحجم رئيس الوزراء ايهود باراك عن قوله صراحة هو ان تلك الأراضي جزء من "اسرائيل الكبرى". وإلا فما الذي يعنيه عندما يقول ان الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة والقطاع ستكون تحت "السيادة" الاسرائيلية؟ بعبارة أخرى، باراك لا يعترف بوجود احتلال اسرائيلي عسكري للضفة الغربية وقطاع غزة بالمعنى المتعارف عليه دولياً، ومن هنا لا يتحدث، هو ومن سبقه من رؤساء حكومات اسرائيل، عن "انسحابات" وانما عن "إعادة انتشار" للقوات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. إذن، ما شكل التسوية التي ستتوقف عندها المفاوضات في ايلول سبتمبر المقبل؟ هل ستوافق القيادة الفلسطينية على التزوير الاسرائيلي للتاريخ والجغرافيا، وعلى التفسيرات الاسرائيلية للقرارات الدولية بأشكال ومفاهيم لا وجود لها في الحقيقة؟ هل ستكون قرية ما، مثل أبو ديس، هي القدس؟ هل ستبقى المستوطنات الكبرى، خصوصاً المحيطة بالقدس مثل معاليه ادوميم فاصلاً بين مربعات الشطرنج التي ستتكون منها دولة فلسطينية ممسوخة وضع تصميمها اعضاء المافيا السياسية الاسرائيلية، أم تكون هناك دولة توازي في طبيعتها وحجمها وتحررها وحدودها المفتوحة على عمقها العربي نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته على مدى ما يقرب من قرن من الزمن؟ والمهم بدرجة متساوية، هل ستقبل القيادة الفلسطينية بشطب حقوق أربعة ملايين لاجئ فلسطيني وتتفق مع وجهة نظر باراك القائلة بأن هؤلاء اللاجئين لا بد من ايجاد حل لقضيتهم ولكن خارج حدود دولة اسرائيل؟ ان القيادة الفلسطينية محكومة بالقرارات الدولية ولا تملك ان تتنازل عن حقوق لشعبها تكرسها هذه القرارات مهما كان ميزان القوى راجحاً لمصلحة اسرائيل. والمعايير التي تقاس بها التسوية العادلة القابلة للدوام بين اسرائيل والشعب الفلسطيني واضحة: الشعب الفلسطيني يريد التحرر من الاحتلال الاسرائيلي ولا يريد تقنين ذلك الاحتلال تحت مسميات اسرائيلية... يريد كل أراضيه التي احتلت عام 67 واعلان الاستقلال عليها واتخاذ القدسالشرقية عاصمة لها. يريد عودة لاجئي 48 ونازحي 67 الى ديارهم ويريد إزالة المستوطنات من أراضي دولته العتيدة وتأمين المياه لتلك الأراضي وسكانها، ويريد معابر حرة الى الأردن ومصر. وهو يسلم في مقابل ذلك بوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية، واحدة اسرائيلية تعرّفها الحركة الصهيونية بأنها يهودية، والثانية عربية فلسطينية. ولكن على ماذا ستوقع الاصابع القيادية الفلسطينية في نهاية النهار، عندما يبقى التعارض قائماً؟ هل ستقول: على هذا نتفق وعليه نوقع، وعلى ذاك نختلف ونتركه الى حين أو جيل آخر، وفي غضون ذلك نعلن قبولنا بدولة مسخ لا تفي بحقوق الشعب الفلسطيني وكرامته ولا تكافئ نضالاته؟ هذه أسئلة لا يمكن تجنبها ونحن في واحدة من المعارك الفاصلة في الصراع العربي - الاسرائيلي، وهي أسئلة ينبغي ان تجدد مصطلحات ذلك الصراع لا أن تتجاهلها وتطويها، خصوصاً إذا أردنا للصراع ان ينتهي ولكن ليس بأي ثمن.