نجحت قواعد حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان في حسم المرحلة الحالية من الصراع بين الرئيس عمر البشير والأمين العام للحزب الدكتور حسن الترابي، بصورة لم تغلّب أياً من الموقفين، وأعلت من مقام قوة ثالثة باتت تمثل المزاج العام للحزب الحاكم. وتمكنت القوة الثالثة الجديدة في الصراع السوداني، التي اطلق عليها اسم "لجنة رأب الصدع" ويقودها رئيس هيئة الشورى في الحزب الحاكم الدكتور عبدالرحيم علي، من اجازة كل اقتراحاتها في اجتماع حاشد لهيئة الشورى عقد في الخرطوم أمس، واسقاط اي اقتراحات اخرى من الطرفين وان بدا بعضها معقولاً. وركزت القرارات على انهاء اسباب النزاع التي تركزت على الاختصاصات، وباتت اللجنة حكماً في أي خلاف ينشأ مستقبلاً وحصلت على تفويض يجعلها ترجح كفة ضد اخرى. ورأت مصادر عدة شاركت في الاجتماع الذي ضم 600 من قيادات الحزب ان "النزاع لم يحسم بعد، لكن آلية حسمه انشئت اليوم الاثنين مع قيام ما يشبه المرجعية النهائية التي تتبعها القواعد". ولاحظت ان السبب الذي رجّح كفة لجنة "رأب الصدع" هو اصرارها على وحدة التنظيم وعدم تفتيته. وأعان اللجنة ايضاً احساس بين ناشطي الحزب بأنهم باتوا على بعد خطوات من فقد سلطتهم. ورأت المصادر ان "الاحتفاء الخارجي الكبير بقرارات البشير والهجوم المتزايد على الترابي أشعر اعضاء الحزب بأنهم مستهدفون أيضاً وليس الترابي وحده". وأشارت الى روايات راجت في الخرطوم عن ان ابعاد الترابي يمثل خطوة اولى تلحقها خطوات تشمل حتى اركان معسكر البشير من قادة الجبهة الاسلامية القومية. لكن مصادر اخرى تحدثت عن ضرورة "المحافظة على المكاسب التي تحققت، خصوصاً على صعيد العلاقات الخارجية، اثناء الازمة". وأجيزت في اجتماع هيئة الشورى توصيات اللجنة التي نشرتها "الحياة" أمس وأهمها احالة قرار البشير حل البرلمان على المحكمة الدستورية مع قبول الطرفين حكمها، واستعجال الرئيس رفع حال الطوارئ التي فرضها قبل اسبوعين. ولم تستجب الاقتراحات لأي من موقفي الترابي والبشير بمقدار ما مثلت تعبيراً عن موقف ثالث اساسه وحدة التنظيم وبقاء الاثنين مع تقديمهما تنازلات. وأقرّ المجلس المعالجات التنظيمية المقترحة واستحداث بعض القرارات ومراجعة النظام الاساسي. ففي ما يختص باجراءات البشير الاخيرة بحل البرلمان السوداني واعلان حال الطوارئ التزم الطرفان الاجراءات القانونية. وفي ما يختص بالخلاف على القيادة حسمت هيئة الشورى ابقاء رئيس الجمهورية في موقعه رئيساً للمؤتمر الوطني وبقاء الترابي اميناً للهيئة القيادية. وابدى الرئيس البشير ارتياحه الى توصيات لجنة المساعي الحميدة، اما الترابي فرفض الادلاء بأي تصريحات حول ما توصلت اليه هيئة الشورى، لكنه قال: "لو كنت اعلم ان الاجتماع بهذه الصورة لذهبت في جولتي الخليجية…" في اشارة منه الى زيارته لقطر. واعلن ابراهيم عبدالحفيظ مقرر لجنة الوساطة في تصريحات صحافية توصيات اللجنة التي تضمنت: ان يبقى الامين العام للحزب ورئيس الحزب كل في موقعه، وان يتم تحديد الاختصاصات والصلاحيات تحديداً دقيقاً، وان يكون التشاور والتنسيق بين قادة الاجهزة برئاسة الجمهورية وحزب المؤتمر الوطني والبرلمان، وان يضطلع التنظيم في علاقته بالدولة برسم السياسات العامة ووضع الخطط والمساندة والحشد وتلقي التقارير ويقوم مقابل ذلك الجهاز التنفيذي بتفعيل البرامج". واكدت التوصيات على "ان يقوم حزب المؤتمر الوطني على العهد والمواثيق وتقوم الدولة على البيعة لرئيسها". وبالنسبة الى قرارات البشير الاخيرة الزمت التوصيات طرفي الخلاف بالتزام مرجعية المحكمة الدستورية بحل النزاع في ما يتعلق بحل المجلس الوطني، أما حال الطوارئ فطلبت التوصيات رفعها حين تسمح بذلك الظروف في اسرع فرصة. وجاء قبول مجلس الشورى توصيات "لجنة رأب الصدع" دون سواها من اللجان الاخرى لما تضمنته من حلول شاملة. وألزمت اللجنة متابعة القرارات حتى تنفيذها. وقدم محمد الامين خليفة حيثيات الازمة بالنيابة عن الهيئة القيادية، فيما قدم عبدالله حسن احمد توصيات هذه الهيئة التي تضمنت بعض التحفظات عن توصيات لجنة الوساطة. وتولى الامين العام لاتحاد العمال ابراهيم غندور تقديم توصيات اللجنة. ثم طرحت هذه على التصويت وأُقرت بالإجماع. وأعلن الناطق باسم الحكومة وزير الثقافة والاعلام الدكتور غازي صلاح الدين التزام الحكومة كل توصيات لجنة المساعي الحميدة "والعمل على انزالها الى ارض الواقع توحيداً للصف". كما جدد التزام الحكومة "عملية لمّ الشمل والوفاق الوطني والسعي اليه". واشار الى ان قرارات الرئيس الاخيرة "أعادت للدولة هيبتها". اما والي ولاية شمال كردفان الرجل الثاني في الحركة الاسلامية ابراهيم السنوسي فقال للصحافيين ان الحركة الاسلامية في السودان "أثبتت للعالم انها مهما اختلفت قياداتها ستعود بعد ذلك الى الاصول. اثبتنا للعالم ان الشورى ملزمة وأساس للمشروع الحضاري". ووصف اتفاق قيادة الحركة الاسلامية بعد خلافها بأنه "اكبر صفعة في وجه الاعداء وهدية للمشفقين ولطمة للشامتين".