من الواضح ان من بين العلامات الكثيرة على دخول العالم طابعه الكوني في قرننا العشرين هذا، جوائز نوبل التي تعطى في السويد وفي النروج مرة كل عام، كدليل على ان هذا العالم لم يعد جزراً معزولة عن بعضها البعض. قد يكون من العسير علينا ان نتصور اليوم ان عالم الفيزياء السويدي الشهير الفريد نوبل، حين كرس ارثه كله لتقديم جوائز عالمية عدة تمنح في شتى حقول الفكر الانساني، كان يرمي الى التأكيد على تلك الناحية من العملية: ناحية اعطاء العالم طابعه العالمي. بيد ان النتيجة كانت على ذلك النحو، على أي حال. كان نوبل، مخترع الديناميت بين أمور اخرى، يود في الأصل ان يمارس نوعاً من العطاء ربما يكفّر عن ذنوبه!، غير ان النتيجة كانت فعلا سياسياً من طراز بدا جديداً ونادراً في ذلك الحين، خاصة وان عصبة الأمم لم تكن قد قامت بعد، وكانت كل اللقاءات العالمية عبارة عن تحالفات جانبية غالباً ذات طابع عسكري - حزبي تتم تبعاً للظروف. من هنا يمكننا القول ان الفريد نوبل قد عرف بجائزته كيف يوحد العالم بشكل من الاشكال. ولم يكن من الصدفة، ان يبدأ منح تلك الجوائز مع مطلع هذا القرن. بل وتحديداً، في العاشر من شهر كانون الأول ديسمبر من العام 1901، حين اعلن ملك السويد والبرلمان النرويجي في وقت واحد، في ستوكهولم، كما في كريستيانا، عن منح اولى الجوائز النوبلية في تاريخ البشرية، وكانت خمسة اعوام كاملة قد مرت على رحيل صاحب الجائزة. فمن فاز بأولى الجوائز يا ترى؟ في الأدب فاز الفرنسي سولي برودوم، وفي الفيزياء فاز الألماني فلهلم روتنغن عن اختراعه للأشعة التي لا تزال معروفة باسمه حتى اليوم، وفي الطب فاز الماني آخر هو اميل فون بيرنغ، وفي الكيمياء فاز الهولندي يعقوب فان هوف، اما جائزة نوبل للسلام ففاز بها مشاركة، السويسري هنري دونان مؤسس الصليب الأحمر والفرنسي فردريك باسي. اليوم، وقد مر تسعون عاماً على البدء بمنح جوائز نوبل السنوية، هل نستطيع لو حاولنا ان نضع جردة حساب، ان نطلع بما هو مدهش؟ الغريب في أمر جوائز نوبل، انها تأتي في كل عام لتحمل العديد من المفاجآت، اذ ندر ان اعطيت لمن كانت التخمينات تتحدث عن اعطائها لهم. بل يقال ان اكثار الصحف والدوائر العالمية من التركيز على اسم معين، يقلل في العادة حظوظ صاحب الاسم. غير ان هذا الامر، لا يمكنه ان يفسر لنا ان جائزة نوبل ولا سيما في مجالات الأدب والسلام حجبت دائماً عن كبار اصحاب الاسماء التي مرت في قرننا العشرين هذا.