يستمر النقاش الاسرائيلي في وسائل الاعلام المحلية حول اهمية اجراء استفتاء عن انسحاب من الجولان - "كل الجولان" او "تقريباً كل الجولان" - يتضمنه اتفاق سلام مع سورية. وكان إيهود باراك وعد اثناء حملته الانتخابية اجراء مثل هذا الاستفتاء في حال فوزه. ولكن الوعود الانتخابية ليست مُلزمة، ولا هي تتطلب قوانين خاصة بها. بل وعملياً، كما اقترح اكثر من معلق وخبير اسرائيلي، لا حاجة لمثل هذا الاستفتاء لأنه سيعرّض المجتمع الاسرائيلي للمزيد من الانقسامات ويزيد من الشرخ الاثني والقومي ويعمق الخلافات والصراعات الدينية - العلمانية، والايديولوجية اليسارية - اليمينية، على حد قولهم. وبما ان عملية ضم الجولان لاسرائيل سنة 1981 تمت بتمرير مشروع قرار في الكنيست البرلمان الاسرائيلي بأكثرية اعضائها، فان الانسحاب من الجوان يمكن ان ينفذ من خلال هذه الهيئة التشريعية الأهم وبأكثرية 61 من اعضائها. ومما يساعد في اثبات صحة هذا الطرح، هو ان المؤسسة العسكرية، التي طالما اعطاها ثقته المجتمع الاسرائيلي في القضايا الأمنية والملفات الاستراتيجية المهمة، ممثلة اليوم كلياً وشمولياً في حكومة باراك وبصورة قلما شهدتها الحكومات الاسرائيلية السابقة. وبما انه اكثر من 47 في المئة من الاسرائيليين يؤيدون انسحابات من "كل" او من "تقريباً كل الجولان"، كما تشير استطلاعات الرأي وهو رقم يميل الى الارتفاع يوماً بعد يوم - وبما في ذلك بين مؤيدي حزب الليكود وشاس، فعملياً، تستطيع حكومة باراك الاستغناء عن هذا الاستفتاء، او هكذا يدعي هؤلاء. ولكن الاستفتاء في نهاية المطاف موجه على ما يبدو تجاه الخارج العربي وليس الداخل الاسرائيلي. وعليه فان باراك يحاول اقناع البيت الابيض والكونغرس الاميركيين ان انسحابات من الجولان لن تمر بسهولة داخل المجتمع الاسرائيلي وعن طريق الاستفتاء المقترح، الا اذا كانت المحفزات والفوائد تزيد وزناً وقيمة عن الانسحابات و"مضارها" الأمنية لاسرائيل. وكذلك الأمر فيما يخص العرب والسوريين تحديداً، حيث ان حكومة باراك ستشترط اجراءات امنية في الجولان وسورية، وفي لبنان كذلك، تزيد من "ثقة" الاسرائيليين بحكمة حكومتهم وبضرورة الانسحاب. ولا بد كذلك ان يتم التفاوض على نوعية التغييرات الحدودية: الرابع من حزيران او الحدود الدولية، الوصول الى مياه طبريا من قريب او بعيد، ضمان مصادر المياه لاسرائيل وما اليها من التطمينات والضمانات التي تساعد باراك على تحرير قرار الانسحاب في الاستفتاء المزمع اجراؤه. وعد باراك بسلام شامل يتعدى سورية الى دول عربية اخرى - خليجية ومغربية وغيرها- وتطبيع في العلاقات وانفتاح على الأسواق العربية يمكن ان يسيّل لُعاب الاسرائيليين ويسهّل عملية الانسحاب… ونجاح الاستفتاء. بكلمات اخرى يستهدف باراك استغلال فكرة الاستفتاء التي قيد نفسه بها سياسياً وليس قانونياً مما يتيح له الفرصة ان يتصرف كجنرال… وصاحب رأي، يقيم الاخطار ويقترح المحفزات المقنعة للاسرائيليين ويطالب واشنطن ودمشق وغيرها بمساعدته لكي يقنع "شعبه" بأهمية التوصل الى اتفاق يتضمن "انسحابات". وعليه فسنسمع في الاشهر المقبلة المزيد من مواقف الاسرائيليين وعن رغباتهم وتمنياتهم.