يطرح استمرار مرض الرئيس بوريس يلتسن عشية الانتخابات البرلمانية، قبل أشهر قليلة من انتهاء ولايته، والتصعيد العسكري في الشيشان، واحتدام الصراع السياسي، علامات استفهام كثيرة على آفاق التطور السياسي في روسيا. وانتشرت في موسكو أمس الاربعاء روايات متضاربة عن وضع يلتسن، وجاء في نبأ رسمي صادر عن الديوان الرئاسي ان صحته "تتحسن" وحرارته عادت الى مستواها الطبيعي، فيما نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيت" الواسعة الاطلاع معلومات مستقاة من "المستشفى المركزي"، الذي يعالج فيه يلتسن، انه يعاني من مشاكل في الكبد، اضافة الى حاجته الى جراحة جديدة في القلب إلا أن حال بعض اعضاء جسمه، خصوصاً الكبد تجعل اجراء الجراحة أمراً مستحيلاً، كما أن عدم تقيّده بنصائح أطبائه في نمط الحياة والنظام الغذائي يسبب له مضاعفات أخرى. ويصر عدد من أعضاء مجلس الدوما النواب على أن مرض الرئيس الروسي يحمل هذه المرة طابعاً سياسياً، نظراً الى رغبته في التهرب من إبرام معاهدة الاتحاد مع بيلاروس، وفي الإنزواء الى حين اتمام المرحلة الأساسية من الحرب الشيشانية. وتسجل مراكز رصد الرأي العام تصاعداً مضطرداً في شعبية رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي آلت اليه الآن معظم مقاليد الأمور على الصعيدين العسكري والاقتصادي. إلا أن انحياز رئيس الحكومة الواضح الى كتلة "الوحدة" المدعومة من الكرملين واضطراره الى مسايرة مواقف أعضاء "عائلة" يلتسن في أمور مثيرة للجدل كقضية إعادة النظر في عمليات "الخصخصة" ومضايقة كتلة "الوطن كل روسيا" بزعامة يفغيني بريماكوف ويوري لوجكوف بدأ يضعف مركزه القوي في المجتمع. وحاول بوتين أمس تبرير انحيازه الى كتلة "الوحدة" بقوله ان على "كل حكومته ان تكون حريصة على كسب تأييد أكبر عدد ممكن من الكتل والنواب"، وأعاد الى الأذهان سلوك رئيس الوزراء السابق فيكتور تشيرنوميردين الذي أسس وقاد حزبه "روسيا بيتنا" أثناء الحملة الانتخابية وهو على رأس الحكومة. وعلى صعيد المعركة الانتخابية يواصل الكرملين حملته الضارية على كتلة بريماكوف - لوجكوف عبر شبكاته الاعلامية الواسعة ما أدى الى انخفاض ملحوظ لرصيدها الشعبي، فيما تعمل مثل هذه الأوضاع لمصلحة الحزب الشيوعي الذي قد يفوز بما لا يقل عن 30 في المئة من الأصوات. ويتوقع كثير من المراقبين نشوء محور قوي في "الدوما" الجديد معارض لبوتين، خصوصاً إذا بقي رئيس الحكومة على ولائه للرئيس وبطانته، ما يؤدي الى أزمة دستورية خطيرة. ويبدو ان بوتين أثّر في مواقف أعضاء المحكمة الدستورية التي أفتت أمس الاربعاء بحق رئيس الدولة في عزل النائب العام بصورة موقتة. ويعني هذا القرار انتصاراً تكتيكياً للرئاسة في صراعها المرير مع يوري سكورانوف الذي يسعى الى توجيه ضربة قاضية الى الكرملين في قضية الفساد. وعلى أية حال ستتوضح الأمور السياسية غداً بعد الاجتماع الذي يعقد في جناح يلتسن في المستشفى مع رئيس الحكومة ومسؤولين عسكريين وامنيين وعدد من الوزراء لمناقشة مسألة المعاهدة مع بيلاروس وآفاق انهاء الحرب الشيشانية.