بدا اخيراً ان التجربة الديموقراطية في باكستان التي استمرت عشر سنوات قد زالت في غمضة عين عندما انتشرت قوات الجيش في العاصمة وسيطرت على المرافق الحكومية الرئيسية. لكن الانقلاب في 12 تشرين الأول اكتوبر 1999 يمكن ان يتحول الى فرصة لإعادة الديموقراطية الى باكستان بدل ان يكون يوم اعلان موتها. واذا كان من المؤسف ان الجيش الباكستاني اضطر الى اتخاذ خطوات غير دستورية، فعلى العالم ان يدرك ان باكستان تحت حكم رئيس الوزراء السابق نواز شريف كانت أبعد ما يمكن عن الديموقراطية أو الدستورية. وعلى المجتمع الدولي الآن مساعدة باكستان على التحرك نحو انعاش الاقتصاد والحياة الديموقراطية الحقيقية. لقد عمل نظام نواز شريف بشكل متقصد ومدروس على تفكيك دستور باكستان ومؤسساتها الديموقراطية منذ مجيئه الى السلطة في شباط فبراير 1996. وكما قال الجنرال برويز مشرف في كلمته القصيرة الى الشعب بعد الانقلاب: "لم يكن هناك فقط التلاعب بالمؤسسات وتدميرها في شكل منظم بل ان الاقتصاد ايضاً قد انهار". كانت باكستان في عهد نواز شريف دولة تسودها الفوضى، تسير في شكل متسارع نحو ما اعتبرناه، نحن المعارضة، عهداص مظلماً جديداً من الديكتاتورية. ومزق شريف، في خطوة بعد اخرى، المؤسسات الديموقراطية الناشئة. وشهدت كل اجهزة الدولة وهيئات المجتمع تقليصاً متواصلاً لحرياتها واستقلالها. وأقال شريف رئيس الدولة بعدما اختلف معه، ووضع مكانه شخصاً يعجز عن الوقوف في وجه شرهه الذي لا يعرف حداً للمزيد من السلطة. وبعدما انتهك انصاره حرمة المحكمة العليا عندما اقتحموا مبناها، عزل شريف رئيس تلك المحكمة، مهدداً بذلك استقلالية الجهاز القضائي. وواصل شريف وانصاره ملاحقة المعارضين بالاعتقال والتعذيب والخطف، وامتلأت السجون بالالوف من السجناء السياسيين، الذىن كانت "جريمتهم" ممارسة حريتهم في التعبير عن الرأي. وعندما بدأت الصحافة، ذلك الأساس الذي لا غنى عنه للديموقراطية، بانتقاد ممارساته التسلطية شن عليها حملة من التخويف والتهديد، وواجه رؤساء التحرير والمحررين الذين تجرأوا على انتقاد نظامه بالسجن والضرب. وفي أواخر عهده عندما انطلق عشرات الألوف من الباكستانيين في التظاهرات ضد اساءاته استعملت شرطته ضدهم عنفاً تجاوز المعقول، في محاولة لكبت مشاعر الاحباط، المبررة تماما، لدى شعبنا. المؤسسة الوحيدة التي بقيت خارج سيطرة شريف كانت الجيش، على رغم محاولته شق صفوف القوات المسلحة وزعزعة روحها المعنوية عن طريق اقالة رئيس أركانها. وأدى هذا الهجوم على المؤسسة الوحيدة القادرة على الدفاع عن نفسها الى انهاء حكمه. لم تقف الأسرة الدولية صامتة اثناء كل هذه التجاوزات. وعليها الآن أيضا ان تتخذ دوراً فاعلاً في وضع باكستان على الطريق الى الانتعاش الاقتصادي والسياسي. اننا نواجه الآن مرحلة من التحديات الكبرى. اذ لا تزال منطقة جنوب آسىا بعيدة عن الاستقرار، ولم يوفر السلاح النووي للهند او باكستان شعورا بالأمن تجاه الخطر الخارجي. وتبقى كشمير المحتلة نقطة اشتعال خطيرة، ويتصاعد لدى سكانها الاحباط والغضب. لكن أكثر ما يدعو الى القلق هو الكارثة الاقتصادية. إذ تراجعت الاستثمارات الخارجية في عهد نواز شريف الى الصفر تقريباً، فيما انخفض احتياطي العملة الصعبة الى ما دون المستوى المطلوب لتلبية أبسط احتياجات البلد. وأفلتت البطالة عن السيطرة، خصوصاً بين الشبيبة التي تشكل قطاعاً قلقاً متزايد العدد، مسببة تصاعداً في الجريمة والعنف الطائفي. ورغم سوء الوضع فأنا على ثقة من أن الديموقراطية تبقى الأمل الأفضل لباكستان والمنطقة عموما في تحقيق مستقبل اكثر استقرارا ورخاء. ومن هذه الزاوية علينا النظر الى الأزمة الحالية على انها فرصة لباكستان لتعيد توطيد الديموقراطية التعددية الحقيقية وتوقظ حماس الناخبين بعد خيبة املهم الطويلة، وتساعد على تهيئة اقتصاد باكستان لمواجهة تحديات العولمة في القرن الواحد والعشرين. لكن باكستان ستحتاج في كل هذا الى مساعدة المجتمع الدولي. والمهمة العاجلة أمام ذلك المجتمع الآن هي المطالبة بحكومة موقتة محايدة يقتصر دورها على تثبيت وضع الاقتصاد والاشراف على العودة الى الحكم المدني من خلال انتخابات تعددية حرة ونزيهة - على ان تجري الانتخابات خلال مهلة الثلاثة أشهر التي يحددها الدستور. المطلب الشعبي الملح الآن هو العودة الى الحكم القائم على الانتخابات. وكانت الديموقراطية توقفت في باكستان في 1996 عندما اقيلت حكومتي في عملية ايدها العسكريون. وتلا ذلك تشكيل حكومة موقتة منحازة، أشرفت على انتخابات مزيفة قاطعتها الغالبية الساحقة من الناخبين، اذ لم تزد نسبة المشاركين على 16 في المئة. اضافة الى ذلك فقد تم تغيير عدد من نتائج الاقتراع لصالح شريف عن طريق اختراق كومبيوترات الهيئة الانتخابية. وأصدر شريف، المرشح المنتصر الذي أيّده العسكريون، عدداً من القوانين الرجعية المفعول لانهاء المعارضة ووجه لقادتها تهما مختلقة. لكن شريف ما لبث ان اختلف مع مؤيديه عندما حاول ان ينشيء لنفسه قاعدة مستقلة. وجاء ردهم على ذلك، وها هو يدفع الآن ثمن الغاء التعددية التي يقوم عليها المجتمع الديموقراطي. لقد سقط نظام نواز شريف، وواجه الشعب هذا الحدث ببالغ الارتياح. والأمل ان يوم سقوطه، اي 12 تشرين الأول اكتوبر، لن يكون تاريخ موت الديموقراطية بل عودتها الى الحياة. لكن باكستان تحتاج الى دور قيادي من المجتمع الدولي اذا كان لها تحقيق هذا الحلم. * رئيسة وزراء باكستان سابقاً.