يبدأ رئيس الوزراء الايطالي ماسيمو داليما في مطلع الشهر المقبل زيارة رسمية الى ليبيا هي الأولى لرئيس حكومة غربي منذ فرض الحظر الجوي عليها في نيسان ابريل 1992. وتكرس الزيارة الموقع الخاص الذي احتلته ايطاليا بين مواقف العواصم الغربية من التعاطي مع ليبيا سواء قبل تعليق العقوبات او بعده. فداليما وكذلك سلفه رومانو برودي كانا من اشد الاصوات الأوروبية ارتفاعاً للمطالبة بانهاء العقوبات التي اتخذها مجلس الأمن في حق ليبيا، فيما كانت الشركات الايطالية تواصل عملها في ليبيا في قطاعات عديدة رغم المقاطعة التي التزمتها شركات أوروبية اخرى: "انضباطاً" للموقف الاميركي. ولم تكتف روما برفع الصوت في التصريحات العلنية وانما كان وزراؤها نشطين في اجتماعات الاتحاد الأوروبي للدعوة الى موقف جماعي ينهي العقوبات ويعيد ليبيا الى المجتمع الدولي. اكثر من ذلك دافع الايطاليون مع اسبانيا على اسناد مقعد لليبيا في مسار برشلونة، وهو ما تكرس مرحلياً وجزئياً في الندوة الوزارية الأوروبية - المتوسطية التي احتضنتها مدينة شتوتغارت الألمانية في نيسان ابريل الماضي. ولم تنتظر ايطاليا استكمال تبلور الموقف الجماعي الأوروبي من هذه المسألة فأوفدت وزير خارجيتها لامبرتو ديني الى طرابلس ليكسر بذلك حاجز التعامل مع ليبيا بعد فترة قصيرة من تعليق الحظر الجوي، وهو التقى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي خلال زيارته وأنهى "الخط المحرم" السابق، خصوصاً ان عواصم اخرى ذات ثقل في القرار الأوروبي في مقدمتها فرنسا، اصبحت لا تمانع في اعادة ليبيا الى المجتمع الدولي بعد تسليم المشتبه فيهما في قضية لوكربي عبدالباسط المقرحي والأمين فحيمة الى القضاء الاسكتلندي. وفعلاً فتح ديني الباب لزملائه الأوروبيين لزيارة ليبيا وكان ابرزهم وزير خارجية بلجيكا لوي ميشال الذي زارها في تشرين الأول اكتوبر الماضي بعد اسابيع فقط من الاعلان في بروكسيل عن تكوين أول غرفة تجارية بلجيكية - ليبية في اطار توجهات الحكومة البلجيكية الجديدة برئاسة الليبرالي الفلامنكي غي فور هفو ستاد الرامية لتفعيل العلاقات البلجيكية مع بلدان المغرب العربي. ويمكن القول ان بروكسيل انضمت الى مثلث روما - باريس - مدريد الداعي الى تطوير العلاقات مع ليبيا لتشجيعها على مزيد من البراغماتية والتعاطي الايجابي مع الغرب، خلافاً لخيار التشدد الذي ما زالت تنتهجه الادارة الاميركية. ويرجح المراقبون ان المصالح الايطالية والاسبانية الواسعة في ليبيا والتي تجسدها شركتا "ايني" و"ربسول" النفطيتان هي التي تقف وراء التحركات الديبلوماسية المشتركة لاعادة ليبيا الى المجتمع الدولي. وستشكل الزيارة المقبلة لداليما لطرابلس مناسبة لاسناد حصة اكبر للشركات الايطالية في السوق الليبية، لكنه سيشير في الوقت نفسه الى الطريق التي ينبغي على الأوروبيين الآخرين ان يسلكوها للظفر بمواقع في هذه السوق قبل ان يفوز بها الآسيويون... او حتى الاميركيون نكاية في أوروبا اذا ما تباطأت. وعليه يمكن توقع زيارات لرؤساء وزارات اوروبيين الى ليبيا بعد داليما تكسر "المحرمات" السابقة وتضمن لأصحابها حصة في المعاملات التجارية والاستثمارية معها.