بدأ المرشح الجمهوري جورج بوش خطابه بعبارة مضحكة كادت تذكّر بسقوطه في امتحان اسماء رؤساء الحكومات. كان يلقي كلمته الأساسية الأولى حول السياسة الخارجية التي ينوي اعتمادها في حال فوزه بالسباق الرئاسي الاميركي، فنسب الى زوجته، لورا، "قولاً مأثوراً": وراء كل رجل عظيم امرأة. وخاطب بذلك نانسي ريغان، المعروف بلجوئها الدائم الى التنجيم، من اجل امتداح زوجها الذي تستضيف مكتبته، وهو غير المعروف بشغفه بالقراءة، الاجتماع. ولكنه ما ان مضى في حديثه حتى بدا انه يملك شيئاً يقوله. الأهمية الأولى لهذا الخطاب هو طابعه السجالي الداخلي. فهو يحسم ان ابن "المؤسسة" لا يمكنه ان يكون "انعزالياً". وبما ان ميولاً قوية في الكونغرس، لدى يمين الحزب الجمهوري كما لدى اقصى يسار الحزب الديموقراطي، تعبر عن ميول "انعزالية" فإن بوش يعلن انضمامه، مثل بيل كلينتون، ومثل منافسه الرئيسي المحتمل آل غور الى هذا الوسط العريض الذي يصرّ على دور اميركي قيادي في العالم. ولعل العبارة الموفقة في خطاب بوش هي: "لقد هُزمت الامبراطورية ولكن الشر باق". وهذا تعبير يراد منه الاعتراف بالانتصار في الحرب الباردة ضد المعسكر السوفياتي، واستدراك ذلك بالقول ان مصادر الخطر اصبحت متعددة وهو ما يقود الى التشديد على ان "قدر اميركا" هو نشر الحرية والاستقرار. ان الخطوط العريضة لخطاب بوش الابن تشير الى انه "ابن ابيه". وإذا ما حذفنا منها بعض الشطحات الخاصة بحملة انتخابية فإننا سنجد انفسنا امام نسخة معدلة تعديلاً بسيطاً عن السياسة الخارجية التي اتبعها كلينتون نفسه. وتطال هذه التعديلات ثلاثة عناوين. الواضح ان بوش يعطي الصين اهمية استثنائية ويدعو الى التشدد حيالها من غير قطع الحوار معها. ومفتاح هذا السلوك هو اعتبارها "منافساً" مستقبلياً وليس "شريكاً استراتيجياً". وتؤكد هذه الاشارة الى الموقع الذي ستحتله الصين في الحملة الرئاسية بين تيار يغلّب التشدد على الحوار وآخر الحوار على التشدد. العنوان الثاني يخص روسيا. فبوش لا يريد ان يبدو الرجل الذي خسر موسكو. ولذا فهو يلاحظ انها تمر بمرحلة انتقالية ويدعو الى مساعدتها في ذلك، من غير ان يصل الى المدى الذي وصل اليه كلينتون في مسايرة حكامها الحاليين. اما العنوان الثالث فيخص الحلفاء. لقد كان ملفتاً ان بوش، حتى وهو يتحدث عن أوروبا او عن الأطلسي، لم يسم بلداً اوروبياً واحداً بالاسم. ومع انه عدد حلفاء اميركا الآسيويين بلداً بلداً فإنه امتنع عن ذلك حين اشار الى العلاقات عبر الاطلسي. وإذا كان من المبكر الاستنتاج بمنحى معين يدعو اليه فليس من المستبعد ان يكون تركيزه على العلاقات عبر الهادئ اكبر من تلك التي تشد بلاده الى الأوروبيين. لقد وعد بوش ان يعود الى قضايا السياسة الخارجية مرة اخرى. وأشار هذه المرة، بسرعة، الى الشرق الأوسط معتبراً ان الحفاظ على أمن اسرائيل هو الأولوية المطلقة للسياسة الاميركية في المنطقة. وعمد بعد ذلك الى تعيين مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مستشاراً له لشؤون الشرق الأوسط. ويعني ذلك ان الحملة ستشهد سباقاً محموماً بينه وبين آل غور في التودد الى اسرائيل. اما الخط الذي يخترق الخطاب كله هو فعل الايمان بالقدرة السحرية لحرية التجارة على ايجاد عالم اكثر ديموقراطية واستقراراً وازدهاراً. فلقد وجد بوش عشرات الصياغات من اجل تكرار هذه الفكرة متجاهلاً، بالكامل، اي اشارة الى الآثار الوخيمة التي يتركها هذا التوجه على حياة بلايين البشر.