كان القرار الاردني، منذ لحظة الاعتقالات اواخر آب اغسطس الماضي، انهاء الوجود التنظيمي لحركة "حماس" في الأردن. والأسباب متوافرة: مصلحة اردنية أولاً مبررة بتأمين "شفافية" لمتطلبات السلام تطبيقاً للتطبيع، تلبية مطالب اميركية واسرائيلية ثانياً، وثالثا تعزيز العلاقة مع السلطة الفلسطينية التي احتجت مراراً على ممارسات "حماس" الأردن تلميحاً وتصريحاً. لكن ابعاد عدد من قادة الحركة، وبالتالي اعتبار "حماس" تنظيماً سياسياً محظوراً في البلاد لا يعني ان الحركة ستزول من المجتمع وتتلاشى. الأكيد انها ستنتقل - او انها انتقلت فعلاً - الى العمل السري، تحت الأرض. وتعلم السلطة الأردنية انها لا تستطيع الغاء "حماس" بقرار سياسي - أمني، لذلك فضلت ان "تحلّ" الأزمة بأقرب صيغة يمكن ان تشبه التوافق. إلا ان الخلاف حصل، من دون ان ينبئ بصراع حماسي - اردني، ليشكل ما يمكن اعتباره احباطاً أولاً للمجتمع في العهد الأردني الجديد. ولعل القلق من الانعكاسات اللاحقة لهذا الاحباط هو ما جعل الحكومة الأردنية تغلف خطوتها بعدد من الرموز الملوّنة. فالقرار الأخير كان "عفواً ملكياً" عن معتقلين سجنوا أصلاً لأسباب لم تكن تشكل قبل بضعة شهور جرماً أو مخالفة للقوانين، بل كانت بنوداً في "اتفاق" بين الحكومة والحركة. والإبعاد لم يعتبر ابعاداً وانما "تسفيراً"، وطالما ان الجنسية لم تنزع من الأشخاص المعنيين فان التسفير بالمعنى السياسي هو "نفي". ثم ان العفو لا يعني إغلاقاً للقضية واعتبارها كأن لم تكن، وانما ابقاءها سيفاً مسلطاً فوق رؤوس "الحماسيين". واقعياً، لا يشكل الاجراء الاردني استثناء، فهناك دول عربية كثيرة لا ترغب في رؤية "حماس" لديها تفادياً للمتاعب التي يمكن ان يستجلبها وجودها عندها. ثم ان هناك دولاً عربية قليلة تستضيف فصائل فلسطينية أو فروعاً" لها، لكنها تشترط على هذه الفصائل ان تكتفي بعمل سياسي وان تقلع عن الممارسات المسلحة. والسؤال الذي طرح بعد الاعتقالات في عمان هو: طالما ان وجود "حماس" في الأردن حصل بتفاهم سياسي، فلماذا تعذر التفاهم بالطريقة نفسها على تفكيك هذا الوجود او على وضع ضوابط صارمة وشروط جديدة له؟ صحيح ان ظروف قبول الحركة في الأردن تغيرت، وان ظروفاً جديدة حتمت عدم الاستمرار في قبولها، لكن الكل يعلم ان وجود "حماس" في الاردن يختلف بالضرورة عن وجودها في سورية او حتى في ايران ولبنان، لأسباب يعرفها الاردنيون قبل سواهم، وتتعلق بتركيبة المجتمع بمعزل عما اذا كان للحركة نشاط سياسي فقط أو سياسي - عسكري. اذ ان وجودها هنا يشبه الى حد كبير وجودها في مناطق سلطة الحكم الذاتي. الأهم من ابعاد قادة "حماس" واستبعاد وجودها التنظيمي، هو ان لا تشكل هذه الخطوة بداية نهج ضد معارضي التطبيع مع اسرائيل. فليس سراً ان السلام مهما كان "دافئاً" بين الحكومتين الاردنية والاسرائيلية، فان هذا الدفء لا يسري في أوصال المجتمع ليس فقط بسبب عقود طويلة من الصراع، وانما خصوصاً لأن الناس لا تستشعر ان السلام الموعود سيحل القضية الفلسطينية بعدل وانصاف. مشكلة الحكومة الاردنية هي مشكلة اي حكومة عربية اخرى. فهي تستطيع ان تدافع عن "مصلحة وطنية" في بعض الاجراءات التي تضطر اليها، إلا انها في المقابل لا تستطيع ان تؤثر ايجاباً في ما يصنع من "سلام" ناقص ومجحف. في غضون ذلك يضغط الاميركيون والاسرائيليون لمحاربة معارضي عملية السلام، لكنهم "عاجزون" عن تصويب مسار هذا السلام.