يبدو أن السفير الاسرائيلي ايتامار رابينوفيتش يقرأ "الحياة" باكراً. اذ ما كادت الحلقة الأولى من تحقيق باتريك سيل عن "الوديعة الرابينية" تنشر في عدد أمس، حتى بادر، منذ ساعات الصباح الأولى، الى الرد. نفى ان يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل اسحق رابين تعهد أمام وزير الخارجية الاميركي السابق وارن كريستوفر الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان السورية المحتلة. لو انتظر الحلقة الثانية، اليوم، لكان مضطراً ربما، الى تدقيق أكثر في ما يصرّح به. ففيها تأكيد لما سبق، وايراد لوقائع ذكرها، على طريقته، في كتابيه "حافة السلام" و"إطلاق السلام"، وفيها، وهذا هو الأهم، كلام موثق لمسؤولين كبار في الإدارة الاميركية، ليس أقل من الرئيس بيل كلينتون شخصياً، يؤكد أنهم فهموا كلام رابين بصفته "التزاماً" ونقلوه الى السوريين رسمياً وترتبت عن ذلك نتائج محددة أبرزها... استئناف المفاوضات والدخول في بحث عناوين أخرى لم يكن التطرق اليها وارداً عند الأسد لولا حسم قضية حدود الانسحاب. قدم رابينوفيتش في كتابه الأول "حافة السلام" رواية يريدها دقيقة عن تفاصيل التفاوض للتوصل الى ما يسميه "لا ورقة بأهداف الترتيبات الأمنية ومبادئها". ولكنه يتجاهل ما يثبته سيل، في أول رواية محايدة، أي ان السوريين أصرّوا على تضمينها عبارة "على جانبي حدود 4 حزيران". ولكنهم تراجعوا عن ذلك فقط لأن كريستوفر رجاهم "تجنباً لإحراج رابين". وعرض الاميركيون في مقابل ذلك تحرير رسالة بهذا المعنى الى دمشق غير ان رابين اعترض على وضع التعبير كتابة داعياً الى الاكتفاء بما هو شفهي من دون ان يرفض المضمون. ولذا اكتُفي باعتبار الإلتزام وديعة لدى الاميركيين. وهذا هو، بالضبط، ما يقوله السوريون وما تؤكده المعلومات التي حصل عليها سيل في الولاياتالمتحدة. قال رابينوفيتش، في تصريحاته أمس، ان رابين "لم يهدف الى تضليل أحد، وأن ما عرضه على كريستوفر كان اختباراً افتراضياً"، وأشار الى ان رابين غضب في حينه من كريستوفر لعرضه الأمر على الرئيس السوري "كأنه موقف اسرائيل وليس وجهة نظر واشنطن نفسها". ويؤكد هذا الكلام ما نشرته "الحياة" امس. لكنه يطرح سؤالاً عن سبب غضب رابين طالما ان كريستوفر لم يجاره في "الكذب" أو، على الأقل، في المناورة. فهل كان القصد، مثلاً، الحصول على تنازلات سورية في مقابل "أفكار أميركية" وهو الأمر الذي يتيح لاسرائيل الانسحاب لاحقاً من أي تعهد؟ وذكّر رابينوفيتش بالموقف الرسمي الاميركي الأخير الذي أعلن ان رابين لم يلتزم أمام كريستوفر الانسحاب الكامل من الجولان في مقابل قبول دمشق بشروط اسرائيل الأمنية والسياسية. والحقيقة هي ان رابينوفيتش يذكّر بنصف الحقيقة فقط. فالاميركيون قالوا ايضاً انهم لم يبلغوا السوريين ما لم يكونوا مخولين ابلاغهم إياه. وهذه إشارة واضحة يفهم المفاوض السابق معناها. ثم ان مسؤولاً اميركياً أبلغ "الحياة" ويفترض ب"القارئ" رابينوفيتش ان يكون لاحظ ذلك ان اعلان واشنطن عن "الوديعة" يعني، عملياً، إنهاء الوساطة. وليس هناك ما هو أكثر حسماً لناحية الاقرار بوجودها. أما عدم الاعلان عنها، حتى الآن على الأقل، فتُسأل عنه العلاقة المميزة بين اسرائيل والولاياتالمتحدة.