بدأ وزير الداخلية والأديان الفرنسي جان بيار شوفنمان، استشارات مع عدد من ممثلي مسلمي فرنسا، تتعلق بأوضاع الاسلام والمشاكل التي يواجهها المسلمون، وذلك في مسعى يفترض ان يؤدي لاحقاً الى تحديد الظروف التي من شأنها ان تتيح للمسلمين اضفاء حد أدنى من التنظيم في صفوفهم واحتلال مكانتهم كاملة في المجتمع الفرنسي. ويأتي هذا المسعى الجديد، الذي أُطلق عليه اسم "الاستشارة"، عقب مساعٍ قام بها وزراء آخرون من اسلاف شوفنمان وباءت بالفشل لأسباب على صلة بواقع المسلمين في فرنسا البالغ عددهم حوالى خمسة ملايين شخص، وهيئاتهم التي تُعد بالمئات. وعن طبيعة هذه "الاستشارة" وما يميّزها عن المساعي التي سبقتها، قالت مصادر وثيقة الاطلاع عليها في وزارة الداخلية الفرنسية ل"الحياة"، انه رُوعي في اطارها عدم الوقوع في الأخطاء التي افشلت المساعي السابقة. وأوضحت ان الدعوة للمشاركة فيها وجهت الى ست هيئات اسلامية وست شخصيات استناداً الى حجم طابعها التمثيلي ومساجدها الموزعة على المناطق الفرنسية، وليس استناداً الى توجيهاتها العقائدية او مدى تطابقها مع التوجهات الرسمية الفرنسية. وقالت المصادر نفسها، ان شوفنمان انطلق في مسعاه هذا من فكرة بسيطة مفادها ان عدم تنظيم الاسلام وابقاءه موزعاً على جمعيات ومنظمات، في غياب اي تشاور في ما بينها وفي غياب اي محاور يمكنه التحادث باسمها مع السلطات العامة الفرنسية، يؤدي الى سلبيات عدة بالنسبة الى المسلمين وأيضاً للسلطات. ورأت المصادر ان مبادرة شوفنمان تتميز عن سواها بفضل عاملين: الأول هو انها تستند الى الواقع الموضوعي للهيئات الاسلامية، المتعدد والمشتت ولا تسعى لفرض اي نموذج تنظيمي أُعد مسبقاً من قبل وزارة الداخلية. وقالت ان دور شوفنمان في هذا الاطار يقتصر على النصح والمساعدة أملاً في حمل الهيئات المختلفة على التقارب واعتماد حدّ أدنى من الصيغة التنظيمية تختارها بنفسها واذا تعذّر ذلك فان الوزير لن يحل محلها لتحقيق هذه المهمة. وأشارت الى ان لائحة الهيئات والشخصيات التي حددتها الوزارة ليست حصرية وباستطاعة اي هيئة او جمعية الانضمام الى الاستشارة إذا رغبت بذلك. وترى المصادر نفسها، ان الميزة الثانية والأكثر اهمية في هذا الاطار فانها تتمثل بإعلان النوايا المتعلق بحقوق وواجبات المسلمين في فرنسا وهو كناية عن نص من ست صفحات أعده "مكتب الأديان" التابع لوزارة الداخلية، ويتضمن صوغاً لمجموعة الاجراءات القائمة في فرنسا منذ فصل الدين عن الدولة سنة 1905، والتي تحدد الأسس القانونية لأوجه الممارسة الدينية. وذكرت ان هذا الاعلان غير القابل لأي نقاش او مساومة يفترض ان توقعه الهيئات الاسلامية التي توافق عليه خلال مؤتمر يعقد في هذا الشأن ويكرّس الاسلام في فرنسا، على غرار الديانات الاخرى، استناداً الى قوانين الدولة العلمانية. وأشارت الى ان مختلف الديانات الموجودة في فرنسا سواء الكاثوليكية او البروتستانتية او اليهودية، وجدت نفسها في مرحلة من المراحل وفي ظل الفصل القائم بين الدين والدولة، امام ضرورة الاقرار بالواقع القائم رسمياً، ومن المنطقي اذن ان ينضم الاسلام الى النهج نفسه. وأكدت ان هذا الاعلان، الذي يحدد الأطر القانونية لتأسيس الهيئات الدينية واقامة المساجد وأماكن الصلاة، واختيار رجال الدين وانشاء المؤسسات التعليمية الاسلامية الخاصة، وتوفير المدافن الاسلامية والمظاهر الدينية مثل الملابس والطعام، لا يعكس أي ريبة حيال عدم احترام المسلمين لقوانين الجمهورية. وأضافت ان على المسلمين ان يتفهموا انه من الأفضل للاسلام بكل هيئاته ان ينضم رسمياً الى التشريع الذي يحكم العلاقة بين الدولة ومختلف الأديان الاخرى. وتعتبر المصادر ان "اعلان النوايا" يضع حداً للاعتباطية التي حكمت التعامل مع الاسلام، وجعلته يختلف من منطقة فرنسية الى اخرى، وفقاً لمواقف السلطات المحلية. وكانت ابرز محاولتين شهدتهما فرنسا لتنظيم الهيئات المسلمة لديها في عهد كل من وزيري الداخلية السابقين بيار جوكس اشتراكي وشارل باسكوا الديغولي. اذ انشأ جوكس مجلساً اطلق عليه اسم "كوريف" للتفكير في صيغة تنظيمية للاسلام في فرنسا، فيما اختصر باسكوا الطريق وأنشأ ما سماه ب"المجلس التمثيلي لإسلام فرنسا". وفيما تتوقع مصادر وزارة الداخلية ان تكون المبادرة الجديدة بدورها عرضة للانتقاد والجدل، يبقى العامل الأساسي في مدى رغبة الهيئات الفعلية في تنظيم اوضاعها، خصوصاً ان لبعضها مصلحة في الابقاء على التشتت القائم حتى ولو كان هذا الواقع لا يتلاءم مع مصلحة مسلمي فرنسا.