يعقد القادة الاوروبيون اجتماعاتهم يومي الجمعة والسبت في فيينا وذلك قبل 19 يوماً من إصدار عملة "اورو" التي ستجسد اكبر علامة في مسار الاندماج الاوروبي منذ انطلاقه في مطلع الخمسينات. وتدرس القمة مشاكل الموازنة المشتركة للاعوام الخمسة المقبلة ومناطق العمل الخارجي المشترك في وسط القارة الاوروبية وشرقها والخط الممتد جنوباً من المغرب حتى مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وتخوض الاوساط الاوروبيه نقاشات مهمة وصعبة عن ارتفاع الكلفة التي ستتحملها الخزانة الاوروبية لتمويل خطة تأهيل البلدان الشرقية وانضمامها بعد سنوات لعضوية الاتحاد. وبينما يتجه المسار الاندماجي الاوروبي نحو استيعاب دفعة اولى من البلدان الشرقية فان جهود تفعيل الشراكة القائمة منذ ثلاثة اعوام بين الاتحاد ودول جنوبي شرق حوض البحر المتوسط لا تزال تصطدم بحقائق صعوبات السلام في الشرق الاوسط والتوتر في بحر ايجة وانعدام التعاون الاقليمي بين البلدان العربية عموماً وفي ما بين بلدان المغرب العربي خصوصاً وذلك على رغم ابتعاد المجموعة المغربية عن حدود النزاع العربي - الاسرائيلي وقربها الجغرافي - السياسي من اوروبا الغربية. كلفة توسيع الاتحاد ومع اتساع الاتحاد في غضون الاعوام الخمسة الاولى من القرن المقبل، ستزداد مساحته 28 في المئة ويرتفع سكانه بنسبة 16 في المئة بينما لن تزيد ثروته الاقتصادية سوى 6 في المئة، ما سيؤكد اتساع حاجات البلدان المرشحة للمساعدات المالية والقروض الميسّرة الضرورية من اجل تطوير الامكانات الاقتصادية الهائلة المتوافرة في وسط القارة الاوروبية وشرقها. ويرى انصار توسيع الاتحاد بأن تركيز الحديث على "ارتفاع فاتورة التوسيع" وتغييب الابعاد السياسية يمثل موقف "انكفاء وانغلاق" لأن مد حدود الاتحاد وانضمام البلدان الشرقية سيضمن اتساع السوق امام المؤسسات الصناعية الاوروبية علاوة عن ان التوسيع سيقوي الدور الاوروبي على الصعيد الدولي. هذا في حال تمكنت البلدان الاعضاء ال 15 من ادخال الاصلاحات الضرورية وتعديل سير مؤسسات الاتحاد بشكل يضمن الفعالية والتحرك السريع وحتى لا يؤدي ارتفاع عدد الاعضاء، من 15 بلداً الى 20 او اكثر في العام المقبل، الى شلل مسار اتخاذ القرارات الجماعية. ولا تشكك اي من الزعامات الاوروبية في جدوى وحتمية توسيع الاتحاد حين انطلقت المفاوضات بشكل رسمي في مطلع الشهر الماضي مع خمسة من البلدان الشرقية هي بولندا والمجر وتشيخيا وسلوفينيا واستونيا مع قبرص، بينما ستتواصل جهود تقديم المعونات للبلدان الشرقية المرشحة الاخرى من اجل تأهيل اقتصاداتها والانخراط لاحقاً في مسار مفاوضات العضوية. لكن واقع الصعوبات الاجتماعية داخل الاتحاد يدفع حكومات الدول الاعضاء نحو تركيز اولوياتها على ايجاد حلول تخفيف حدة ازمة البطالة. فباتت المانيا التي تحمست في عهد المستشار الديموقراطي - المسيحي هلموت كول لاستيعاب البلدان الشرقية في ظرف قياسي، تؤكد في ظل حكم الاشتراكيين على ان اولوياتها تتجه نحو حل مشاكل البطالة. ويتفق المستشار غيرهارد شرويدر مع صديقه رئيس الحكومة الفرنسية ليونيل جوسبان على توجيه الجهود الجماعية نحو تقييد معدلات ارتفاع البطالة الى اكثر من 10 في المئة وتسيير مسار التوسيع من دون ان يتحمل الاتحاد كلفة اضافية. لذلك فإن المفاوضات تسير داخل الاتحاد نحو تحديد سقف الموازنة عند مستوياته الحالية اي ما دون 1.27 في المئة من النائج الاوروبي الخام. ورأى نائب رئيس المجموعة الاشتراكية في البرلمان الاوروبي هانز سووبودا النمسا، في مؤتمر عقدته الاحزاب الاشتراكية الاوروبية حول السياسة الخارجية في نهاية الشهر الماضي في برشلونه، بأن حديث المستشار الالماني السابق كول ووعود الرئيس الفرنسي جاك شيراك بانضمام البلدان الشرقية في عام 2002 "كانت اوهاماً" لأن المسيرة معقدة اذ تواجه كل من البلدان الاعضاء اليوم تزايد معدلات البطالة وهجرة الاستثمارات الاوروبية من داخل الاتحاد الى اسواق البلدان المرشحة لأن الاخيرة توفر عمالة رخيصة وتشريعات متسيبة. فيبدو مسار التوسيع كأنه صيغ كي يضمن مصالح المستثمرين واوساط الصناعة على حساب خلق مواطن العمل داخل السوق الاوروبية الواحدة. ولتقييد الاتجاه التنافسي يدعو النائب الاشتراكي حكومات البلدان الشرقية الى توخي سياسة اجتماعية جديدة تقوم على مبادئ الحوار بين المنظمات العمالية والنقابات من ناحية ومنظمات ارباب العمل من ناحية اخرى حتى لا يتم انتهاك حقوق العمالة في البلدان الشرقية وتجييرها على حساب فرص العمل في السوق الاوروبية. ويرد رئيس بولندا الكسندر كوازنيفسكي على الاتجاه المتحفظ على اسراع وتيرة التوسيع والمخاوف من ان يؤدي الى زيادة هجرة الاستثمارات الاوروبية نحو شرق القارة على حساب سوق العمالة في الاتحاد في مقابل زيادة ضغط المهاجرين من البلدان الشيوعية سابقاً، بأن المخاوف القائمة ناجمة عن اختلاف الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وان خطة التوسيع تمثل الرد المناسب لضمان انماء البلدان الشرقية وبالتالي توفير مواطن العمل الكفيلة بابقاء العمالة الشرقية في بلدانها. ويتحمس الرئيس البولندي لانضمام بلده في المستقبل ويحذر من استمرار استثناء بعض البلدان الكبيرة الاخرى مثل اوكرانيا التي يستبعدها كل من حلف شمال الاطلسي والاتحاد الاوروبي من خريطة التوسيع. ويرى بأن الاوكرانيين سيرون بلدهم في هامش القارة الاوروبية ويعتقد بأن مسار التوسيع يمثل الحل التاريخي للنزاعات التي مزقت شعوب القارة القديمه. ويرى رئيس حكومة المجر سابقا غولان هورن، من ناحيته، بأن البلدان الشرقية تسير من "دون انموذج" وتجد نفسها مطالبة من جانب الاتحاد بتحقيق كل الشروط الاقتصادية والسياسية الواردة في كراس شروط العضوية. ويقول بان البلدان الشرقية لن تتوصل الى تحقيق كافة الشروط بمفردها ومن دون مساعدات اوروبية كافية لأن حكوماتها مدعوة الى ضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والاستجابة في الوقت نفسه لمعايير الاتحاد: التخصيص، وقف المعونات الحكومية للمؤسسات، ومراجعة السياسة الزراعية ووضع التشريعات القضائية الشفافة والمناسبة. وتبدو خطة التوسيع في مثابة الصفقة التي تضمن للمؤسسات الاوروبية فتح اسواق البلدان الشرقية مقابل المعونات والقروض التي يقدمها الاتحاد لتأهيل الاقتصادات الشرقية. انسداد الآفاق عكس صعوبات التوسيع وارتفاع الكلفة المالية التي سيدفعها الاتحاد الاوروبي والانعكاسات الاجتماعية التي ستنجم في شرق القارة عن اسراع وتيرة الاصلاحات الاقتصادية في ظل غياب شبكات الائتمان الاجتماعي فان طبيعة الصعوبات التي تواجهها خطة الشراكة الاوروبية المتوسطية تبدو ذات حدة اكثر ارتفاعا وتعقيدات اكبر ترتبط بعدم جاهزية بلدان الجنوب، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، للانخراط في خطة اقليمية واسعة تشمل بلدانا تشقها نزاعات داخلية واخرى متنازع عليها. فعلى الصعيد الاقتصادي يبدو التساؤل حول مردود الشراكة الثنائية والاقليمية، بعد ثلاثة اعوام من انطلاق مسيرة برشلونة، سابقاً لأوانه. وتنفرد تونس ببدء تنفيذ الاتفاق الذي ابرمته مع الاتحاد الاوروبي بينما لا تزال الاتفاقات المبرمة مع كل المغرب واسرائيل تنتظر اكتمال مصادقة البرلمانات الاوروبية عليها. وفقدت مسارات المفاوضات الثنائية الاخرى الجارية مع بقية البلدان المتوسطية الاخرى حماستها لتبقى معطلة مع مصر، منذ اكثر من عام ونصف، جراء تشدد البلدان الاوروبية في شأن تجارة منتجات البطاطا وكميات قليلة من الحوامض والزهور. اما لبنان، فيبحث عن حلول ضريبية تعوض ما ستخسره الخزانة المركزية من عوائد جمركية في حال اقدم على ابرام الاتفاق الجاهز، منذ مدة، مع الاتحا الاوروبي. ولا تزال سورية في بداية المسار التفاوضي بسبب اجتيازها مرحلة تنقلها ببطء من الاقتصاد المسيّر نحو اقتصاد السوق. وتبدو الجزائر في هامش خطة الشراكة لأن المسؤولين فيها لا يضعون الخطة الاقليمية في اولويات برامجهم السياسية التي تتصدرها الانتخابات الرئيسية المرتقبة واستمرار تفاقم الازمة السياسية - الامنية اضافة الى امتداد المشاكل الاجتماعية التي تضاعفت بفعل سياسات التقشف والتخصيص وارتفاع الديون وانهيار عوائد مبيعات النفط والغاز. وتحجب النزاعات القائمة في الشرق الاوسط والتوتر المستمر بين تركيا واليونان وانقسام قبرص وجمود الوضع في الصحراء الغربية آفاق تقدم برامج الشراكة وتعدم في الظروف الراهنة جهود احياء مشاريع التعاون الاقليمي. فيمثل انسداد آفاق السلام بين البلدان العربية واسرائيل العقبة الرئيسية امام مقترحات التعاون الاقليمي وافكار وضع ميثاق للامن والاستقرار المتوسطي. وكانت البلدان العربية والاتحاد الاوروبي اتفقت، غداة تعطل مسيرة السلام في 1996 على اثر تولي تجمع الليكود الحكم في اسرائيل، على تعليق المفاوضات المتعددة الاطراف التي تفرعت عن مؤتمر مدريد لبحث مشاريع التعاون الاقليمي في مجالات الطاقة والمياه والنقل والسياحة. ولا يزال الديبلوماسيون الاوروبيون المعنيون بملف الشرق الاوسط ينصحون تأجيل استئناف المفاوضات الاقليمية الى موعد غير محدد. وفي اجتماع عقد على مستوى خبراء الشراكة في 23 تشرين الثاني نوفمبر الماضي في بروكسيل عن مشاكل الارهاب استحال الوفاق في ما بين البلدان العربية من ناحية وبين بعضها والبلدان الاوروبية واسرائيل من ناحية اخرى. ففي مرحلة اولى لم تتوصل البلدان العربية في اجتماعاتها التقليدية، التي تسبق المباحثات مع الاوروبيين، الى صيغة توفق بين التمسك بالمبدأ العربي الثابت حول التمييز بين حقوق المقاومة المشروعة ضد الاحتلال واعمال الارهاب التي تستهدف الابرياء. ثم طغت الاختلافات المبدئية بين سورية ولبنان من ناحية والبلدان الاوروبية واسرائيل من ناحية اخرى بينما ظلت البقية العربية تنتظر حسم الخلاف من دون المشاركة فيه الى ان آلت النقاشات، حول الارهاب، الى تعليق الاجتماع الرسمي وتحويله الى مباحثات غير رسمية وغير ملزمة لمختلف النقاط التي عرضها الاوروبيون من اجل تبادل المعلومات والخبرات لتفكيك شبكات الارهاب وتتبع مصادر تمويلها بالسلاح والمال. وطغت التباينات في ما بين البلدان العربية التي نجمت عن اختلاف الاولويات في ما بينها. فإذا كانت سورية ولبنان يبحثان عن تشريع حق مقاومة الاحتلال في جنوبلبنان تركز الجزائر جهودها لاستدراج الاوروبيين الى التعاون معها لتقييد حركة الناشطين الاسلاميين في اوروبا. وتدل صعوبات نقاشات مكافحة الارهاب على ان الحوار السياسي في ما بين البلدان العربية كذلك بينها والبلدان الاوروبيه لم يرق، بعد ثلاثة اعوام من انطلاق مسيرة برشلونة، الى مستوى وضع اجراءات بناء الثقة. وسيظل هذا الحوار محدودا مقيدا بتطورات عملية السلام الى حين استئناف مسارها الطبيعي الذي رسم وفق قرارات الشرعية الدولية قبل سبعة اعوام في مؤتمر مدريد. ومع تضاؤل حظوظ الحل التفاوضي بين البلدان العربية واسرائيل، ستبقى حظوظ الشراكة الاقليمية منعدمة في منطقة الشرق الاوسط. وتنسحب الملاحظة نفسها على منطقة المغرب العربي لاسباب مختلفة لا تربطها أي صلة بالنزاع العربي - الاسرائيلي او ضلوع اجنبي فيها وانما تقترن ببؤرة التوتر في الصحراء الغربية ومشكلة الاستقرار في الجزائر والوضع في ليبيا. فتنعدم الثقة بين الجزائر والمغرب لأن الاولى تدعم جبهة البوليساريو والثانية لا تقبل بتنظيم استفتاء حول مصير الصحراء اذا كانت الثانية تشك مسبقا في نتيجة تأكيده "الهوية المغربية" للصحراويين. ومع تأجيل حل مشكلة الصحراء فان التعاون الاقتصادي سيبقى محدودا بينهما ومؤجلا على الصعيد الاقليمي. وفي شرق المنطقة المغاربية، تميل نزوات القيادة الليبية الى التشكيك في الهوية العربية لشعبها بذريعة ان العرب لم يتضامنوا معها ولم يقدموا على انتهاك الحظر الدولي المفروض عليها بحكم ازمة لوكربي مثلما فعل بعض القادة الافارقه. في الاثناء فان آفاق التعاون الاقليمي في ما بين بلدان الاتحاد المغاربي ستبقى مسدودة ومن دون فتح الحدود واقامة الجسور الافقية في ما بين البلدان العربية المطلة على حوض البحر المتوسط فان مردود الشراكة الاوروبية المتوسطية، التي وضعت في برشلونة بايحاء سياسي وتمويل مالي اوروبي، سيبقى هزيلا، وذلك من دون ان يقدر احد على اقناع البلدان العربية بأولوية التعاون في ما بينها واعتباره شرطاً اساسياً لنجاح خطة الشراكة مع البلدان الاوروبية.