امتدح مدير ادارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي نجاح دول مجلس التعاون الخليجي في مواءمة اقتصاداتها بسرعة وفعالية مع التدهور الحاد الذي شهدته اسعار النفط الخام العام الماضي، وأعرب عن ثقة المؤسسة الدولية في التوجهات الاقتصادية للدول الخليجية، مؤكداً ان التركيز على الأولويات يعتبر نقطة تحول مهمة ستساعد هذه الدول على تحقيق انتعاش اقتصادي بقدر الانتعاش الذي حققته اسعار النفط. وقال بول شابريه في مقابلة مع "الحياة" اول من أمس: "أرى ان تحولاً حدث في الخليج بقوة التنامي السريع في تعداد السكان وادراك المسؤولين الخليجيين انه اذا كانت بلدانهم معرضة لاحتمال تدهور اسعار النفط مرة كل خمس سنوات وإذا كانت ستحصر ردود افعالها ازاء ذلك في تقليص الانفاق فان عملها هذا لن يساعد على بناء الثقة في اقتصاداتها". وأكد المسؤول الدولي ان توجه دول المجلس لتبني اصلاحات فتح الأسواق سيساعد على توسيع قواعد اقتصاداتها ويعزز مصادر دخلها. وأضاف: "في النتيجة ستتمكن هذه الدول من بناء اقتصادات اكثر متانة واستقراراً وتضاعف اهمية عوائدها النفطية". ولا شك ان ارتفاع اسعار النفط الخام بنسبة 100 في المئة منذ بداية السنة الجارية سيحدث، في حال استمراره، تحسناً في مؤشرات الاقتصادات الخليجية. ويتوقع اقتصاديو صندوق النقد ان يكون أثر ارتفاع الأسعار على معدلات النمو الاقتصادي السنة الجارية محدوداً بسبب خفض الانتاج وتقاليد بيع النفط الخام بالدين ما يعني ان المنتجين يحصلون على قيمة نفوطهم بفترة تأخير تمتد من ثلاثة الى ستة اشهر، الا ان الوضع سيتغير السنة المقبلة. فعلى سبيل المثال يتوقع صندوق النقد ان يشهد الاقتصاد السعودي انكماشاً السنة الجارية ولكنه سينتعش السنة المقبلة. ويتوقعون كذلك تحسن حساب المدفوعات الخارجية السعودي بانخفاض عجزه من نسبة تعادل 10 في المئة من اجمالي الناتج المحلي عام 1998 الى اثنين في المئة السنة الجارية وتحقيق توازن سنة 2000 اضافة الى تراجع العجز المالي من نسبة تعادل 10 في المئة من اجمالي الناتج المحلي عام 1998 الى خمسة في المئة السنة الجارية واحتمال حدوث تراجع اضافي سنة 2000. وعزا شابريه تحسن الوضع المالي الى "الطريقة الرشيقة" التي تعامل بها مسؤولو المال الخليجيون مع الانهيار الذي شهدته اسعار النفط في وقت اتسمت فيه اسواق المال العالمية بالضعف. وقال ان "المسؤولين الخليجيين نجحوا في امتصاص صدمة الأسعار بصورة جيدة جداً وعدلوا موازناتهم عن طريق خفض الانفاق وتعزيز مصادر الدخل بخطوات شملت رفع اسعار المحروقات واستحداث رسوم على الخدمات علاوة على استخدام جزء من الاحتياط المالي". وأشار الى نجاح المسؤولين السعوديين في احباط محاولات عدة للمضاربة على الريال "عن طريق مواجهتها برد سريع وذكي". ونوه مسؤولو صندوق النقد بأن المصارف الخليجية لم تتعرض للمصاعب التي عصفت بالكثير من مصارف الأسواق الناشئة خلال الأزمة الاخيرة وعزوا ذلك الى اتخاذ المسؤولين الخليجيين الخطوات المناسبة ورفع درجة الرقابة المصرفية وتعزيز متطلبات رأس المال. وفيما أثبت مسؤولو المال الخليجيون قدرتهم على التأقلم السريع والفعال مع انخفاض العوائد النفطية، تدور في اذهان اقتصاديي صندوق النقد تساؤلات مهمة حول ما اذا كان مسؤولو المال الخليجيون سيركنون الى الاسترخاء عندما تنتعش اسعار النفط ام انهم سيجدون في ما حدث درساً عن خطورة الاعتماد على سلعة متقلبة مثل النفط لتمويل اقتصاداتهم. ويرى اقتصاديو الصندوق ان الاقتصادات الخليجية لم تقدم أداء حسناً في المدى الطويل وان دخل الفرد الحقيقي انخفض فعلياً في بعض البلدان الخليجية في الأعوام الاخيرة، وساهمت اسعار النفط الضعيفة في هذا الانخفاض السلبي. الا ان دول مجلس التعاون لديها واحد من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم ما يضعها امام مشكلة لا مفر من معالجتها تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة في مجتمعات تشهد زيادة مطردة في عناصرها الشابة. وأكد اقتصاديو صندوق النقد توافر مؤشرات قوية على التزام الدول الخليجية المضي قدماً في مسار الاصلاح الاقتصادي مشيرين الى ان مسؤولي المال الخليجيين يبدون في حواراتهم مع مسؤولي الصندوق اهتماماً جدياً في الحديث عن مسائل مثل الضرائب غير المباشرة والحاجة الى تطبيق اسعار واقعية على استهلاك الطاقة الكهربائية والخدمات المحلية الأخرى والتخصيص وتصوراتهم عن دور القطاع الخاص وتحديات خلق فرص العمل. كما انهم بدأوا التحدث عن الحاجة الى اقرار تعرفة خارجية مشتركة لادراكهم ان السوق الذي يصل تعداده الى مليون نسمة لا يستطيع اجتذاب الاستثمارات الاجنبية، خصوصاً عندما يكون في مقدورهم ان يقدموا للمستثمرين الاجانب سوقاً تعداده 30 مليون نسمة. وأشار شابريه خصوصاً الى اهمية النظر الى ما يحدث في منظمة البلدان المصدرة للنفط اوبك في ضوء "نجاح اتفاق خفض الانتاج خلافاً للتجارب السابقة". وقال مسؤول صندوق النقد ان التزام الاصلاح الاقتصادي من جانب الدول الخليجية تدعمه تغيرات سياسية عدة حدثت في هذه الدول لافتاً خصوصاً الى "تزايد اهتمام القيادات الخليجية الجدي بالمسائل الاقتصادية". وكان مسؤولو صندوق النقد وعلى رأسهم المدير العام ميشال كامديسو عقدوا اجتماعين مع وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية في الدول الخليجية، وعقد الاجتماع الأول في الرياض في شباط فبراير وتركز على سبل التعامل مع تدهور اسعار النفط بينما عقد الثاني على هامش الاجتماع السنوي لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن في ايلول سبتمبر الماضي. وشدد شابريه على اهمية الاجتماع الثاني، مشيراً الى ان مسؤولي الصندوق خرجوا بانطباع مفاده ان المسؤولين الخليجيين جادون في موقفهم ازاء الحاجة الى اجراء اصلاحات هيكلية مطلوبة فضلاً عن تغيرات اخرى في الاقتصادات الخليجية على رغم تحسن اسعار النفط. ويتوقع مسؤولو الصندوق استمرار الحوار مع المسؤولين الخليجيين في اجتماعات نصف سنوية.