أكد خبراء نفط أميركيون وصندوق النقد الدولي أن الدول العربية المصدّرة للنفط ستعاني من انهيار ايراداتها وفوائضها التجارية والمالية، التي تشكّل أبرز مكونات حساباتها الجارية، من 380 بليون دولار في 2008 إلى 50 بليوناً السنة الحالية، لكنها ستستعيد جزءاً لا بأس به من قدراتها المالية، وتزيد وارداتها العام المقبل، استمراراً لمساهمتها القوية في انتعاش الاقتصاد العالمي. وتوقع خبراء النفط في إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، أن تتراجع إيرادات الدول العربية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) 43 في المئة منخفضة إلى 350 بليون دولار السنة الحالية مقارنة بأكثر من 600 بليون في 2008، وبنوا توقعاتهم على انخفاض محتمل في متوسط أسعار برميل النفط (الخام الأميركي الخفيف) إلى 60 دولاراً من 99.57 دولار في السنة الماضية. وتوقع خبراء صندوق النقد من جانبهم تدهور فوائض دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين) من 284 بليون دولار في 2008 إلى 54 بليوناً في 2009، ورجحوا احتمال تحول ميزان المدفوعات الخارجية لأربع دول عربية أخرى مصدّرة للنفط (الجزائر والعراق وليبيا واليمن) وكذلك إيران، من فائض بمقدار 100 بليون دولار إلى عجز طفيف. لكن خبراء الصندوق أوضحوا في تقرير عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمس، أن التطورات السلبية في فوائض الدول العربية المصدّرة للنفط لن تنجم عن تبعات انهيار أسعار النفط في النصف الثاني من 2008 وضعفها في النصف الأول من 2009 فحسب، بل عن برامج الإنفاق الضخمة التي طبقتها هذه الدول لحفز النشاط الاقتصادي وحماية قطاعات المال في أسواقها من آثار الركود وأزمة المال العالمية. وشددوا على أن الدول العربية المصدّرة للنفط «تأثرت بصورة مباشرة بأزمة المال والاقتصاد العالمية، ومن قناتي الهبوط الحاد في أسعار النفط ونضوب مفاجئ في تدفق رأس المال. إلا أن برامج الإنفاق العام التحفيزي خففت من هذا التأثير إلى حد كبير». ولاحظوا أن المصارف لم تكن في معظمها منكشفة على الأصول المالية المتعثرة، لكنها تأثرت بانهيار أسعار الأصول المحلية لا سيما العقارية وانسحاب رؤوس الأموال الأجنبية. وأكد خبراء الصندوق أن سياسات حفزٍ اقتصادي انتهجتها الدول العربية المصدرة للنفط ومولتها من احتياطاتها المالية التي بنتها في سنوات الازدهار القليلة الماضية، نجحت في التخفيف من حدة آثار الأزمة العالمية على القطاعات غير النفطية التي يتوقع أن يحقق ناتجها نمواً بمعدل 3.2 في المئة السنة الحالية و3.9 في المئة في 2010. ورأى خبراء الصندوق أن «استمرار الإنفاق العام على مشاريع البنية التحتية والتنمية الاجتماعية، سيظل سمة أساسية في سياسات الدول العربية المصدّرة للنفط حتى يتسنى لاقتصاداتها تحقيق إمكاناتها القصوى». ونصحوا بأن تبدأ الحكومات في المرحلة المقبلة ب «تصميم استراتيجيات لإيقاف برامج دعم السيولة» التي تطبقها لحماية قطاعات المال من آثار الأزمة العالمية. وتوقع خبراء النفط الأميركيون ارتفاع متوسط أسعار النفط بما يصل إلى 21 في المئة إلى 72.42 دولار للبرميل في 2010، ما من شأنه أن يزيد إيرادات الدول العربية الأعضاء في «أوبك» إلى 430 بليون دولار، ويعزز احتياطاتها من العملات الصعبة، بحسب صندوق النقد، بنحو 100 بليون دولار ويدفع بمعدل نمو اقتصاداتها إلى 4.4 في المئة. وقال خبراء الصندوق «يتوقع أن ترفع الدول الخليجية حينئذ حصتها من الواردات العالمية من 2.7 في المئة في 2008 إلى 3.2 في المئة في 2010، استمراراً لمساهمتها القوية في تعزيز الطلب العالمي». وخففت برامج الإنفاق العام في الدول الخليجية حدة تأثر الاقتصادات العربية غير النفطية (مصر والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب وسورية وتونس) بالركود العالمي، خصوصاً عبر قناة تحويلات العمال، إلا أن التراجع الحاد المتوقع في صادراتها السلعية والاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2009 سيخفض معدل نموها إلى 3.6 في المئة مقارنة مع 5 في المئة في 2008. وطبقاً لخبراء الصندوق، فإن الدول العربية غير النفطية ستعاني من انخفاض صادراتها السلعية 16 في المئة من نحو 120 إلى 100 بليون دولار، وكذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يتوقع أن تتراجع 32 في المئة إلى 22 بليون دولار السنة الحالية لكنها تشعر أيضاً بالقلق إزاء ارتفاع أسعار النفط ولا تتوقع تحسناً كبيراً في وتيرة نمو اقتصاداتها العام المقبل.