سقطت قنبلة رمضان عبدالله شلّح على الشعب اللبناني قبل ان تسقط على اسرائيل. والشعب اللبناني يحتل رقعة صالحة لتلقي القنابل. لماذا؟ لأن نظرية تحويل لبنان ساحةً لتقوية الموقع التفاوضي السوري، يمكن هي نفسها ان تنقلب فتصير: نظرية تحويل لبنان ساحةً لتقوية الموقع الفلسطيني، وربما الاسرائيلي، واضعاف السوري. انه تاريخ عريق كما يعلم كل مُلمّ بالحرب الأهلية - الاقليمية التي انفجرت في 1975، ولم تنته حتى اللحظة. هي اذن وحدة المسارات المتصارعة على "الساحة" الدائمة الاحتفال بوحدة المسارين المتناغمين. والوحدة الأخيرة لم تولد الا من رحم الوحدة الأولى. هذا ما تدل عليه تجربة سلطان ابو العينين والاستيلاء العرفاتي على مخيمات الجنوب. فيما توحي التجربة نفسها، منظوراً اليها من زاوية اخرى، ان من حقنا ان نقلق على السكان الفلسطينيين، مثلما نقلق على السكان اللبنانيين. والسبب ان الذين يمسكون بناصية الوضع في لبنان يملكون من العداء للفلسطينيين ما يملكه عرفات من استعداد للعب بهم، وباللبنانيين طبعاً. وهذا جميعاً يحصل في مناخ التعبئة النفسية التي اثارتها حملة "لا للتوطين" واجماعها الكاذب شأن سائر الاجماعات اللبنانية الكثيرة. أليس ما نشهده، وما يخيفنا، دورة أخرى من دورات السياسة العربية اياها، والأخوّة العربية اياها، والغرق في الصغائر المرفق في احتمال اغراق لبنان والفلسطينيين معاً بالدم؟ لكن الأمر يغدو أدهى وأمرّ حين نقرأ في "فورين ريبورت" عن مسؤولين اسرائيليين قولهم ان الانسحاب من لبنان قد يحصل قريباً، وربما في نيسان ابريل المقبل. ومعلومات النشرة البريطانية لا تقف عند هذا الحدّ: فهناك، تبعاً لها، تقرير سري رفعه رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس مالكا الى رئيس حكومته ايهود باراك، يوصي ب"انسحاب فوري من المنطقة الأمنية في الجنوب اللبناني"، مُفضّلاً حصول هذا "من جانب واحد". وهناك ايضاً اشارة الى تخطيط حزب الله "لاعتداء مدمّر" وحصوله على صواريخ أرض - جو من سورية، فضلاً عن الكاتيوشا. وهناك، أخيراً، تلميح الى ان رئيس الأركان السابق ووزير السياحة الحالي أمنون شاحاك ضم صوته الى اصوات المدافعين عن انسحاب سريع وآحادي. فالمهم في النهاية، بحسب "فورين ريبورت"، تجريد الأسد من ورقته التفاوضية اللبنانية، اي توجيه السلاح نفسه الى صدر حامله. الكلام قد يكون تسريباً اسرائيلياً، لكنه قد يكون صحيحاً. فالانسحاب من طرف واحد، مع استطالة التفاوض وتعقيده، هو ما قد لا يستطيع باراك الحؤول دونه بعد وعده بالانسحاب الوشيك. واسرائيل في ضربتها الموجعة الأخيرة نبّهتنا الى ان البنية التحتية التي اقيمت بتضحيات كبيرة، ولا تزال ديونها تنتظر السداد، ليست بمنأى عن الضربات الوحشية. والجنوب الشيعي - المسيحي - الفلسطيني هو ما لن تستطيع رايات الاجماع حول المقاومة ضمان سلامه الأهلي. ولا يبقى، بعد صخب الاحتفال بالسيد الدكتور شلّح، غير انتظار الضربة الوحشية، والحكمة الأخوية، وذم الزمان الرديء!