يحظى رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك بتفهم ودعم، وسط الرأي العام الدولي، خصوصاً الغربي، يجعلان حكومات الدول الكبرى مترددة في ممارسة ضغوط عليه، لتعديل بعض مواقفه من السلام مع الأفرقاء العرب. على الأقل هذا ما يقوله بعض قادة هذه الدول. وفي المقابل فإن الأفرقاء العرب، لا يبذلون أي جهد بسيط من أجل تعديل هذه الصورة لدى المجتمعات الغربية. وهي صورة تشكل جزءاً رئيسياً من أوراق باراك التفاوضية. فالقادة العرب انقادوا وراء تلك الموجة التي صورت باراك "رجل سلام"، حين انهزم سلفه بنيامين نتانياهو الذي انتهى الى صورة "العقبة أمام السلام". وقبعوا ينتظرون ما سيقدمه زعيم "حزب العمل". والحقيقة أن باراك ما زال يستفيد من ذلك الزخم الذي جاء به، بدعم أميركي وأوروبي وبالتالي دولي، ومن تلك المقارنة بينه وبين نتانياهو، فيمارس السياسة المتشددة اياها، بل يوظف تشدد سلفه من أجل مزيد من المكاسب كما حصل في تنفيذ اتفاق "واي ريفر" على المسار الفلسطيني. انه ينفذ سياسة نتانياهو مع براءة مسبقة منه. وإذا كانت مناورات نتانياهو أدت الى وصمه بالكذب، فإن "صورة باراك" في الغرب خففت التهمة عنه على رغم تناقض مواقفه ومنها على المسار السوري وبالتالي اللبناني. فهو تارة يريد انسحاباً من لبنان باتفاق مع سورية، وتارة أخرى يريد انسحاباً من جانب واحد من دون اتفاق، وهو تارة يتحدث عن تنازلات "مؤلمة" من قبل إسرائيل في الجولان وأخرى عن تسوية على جزء منه. ان تشبيه باراك بنتانياهو، بهذا المعنى، لا يقلل من خطورة استناد الأول الى الدعم الدولي الذي افتقد الثاني جزءاً كبيراً منه، ولا يخفف من وطأة القلق من امتلاك رئيس الوزراء الإسرائيلي ورقة تفاوضية قوية عبر هذا الدعم، يناور بها ويعتمدها في مواجهة مفاوضيه العرب. لكن قراءة استقواء باراك بهذا الدعم لا تلغي أوراق العرب في المقابل. فإذا كان الهدف من التلويح الإسرائيلي المتواصل بالانسحاب من جانب واحد، ومن دون اتفاق، من لبنان، تحميل سورية مسؤولية أي عمل أمني ضد حدودها، بما يعني استهداف لبنان وسورية، رداً عليه، فإن تنفيذ "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" عمليتين ضد الإسرائيليين في جنوبلبنان، قد يكون نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه انسحاب "استفزازي" كما يسميه الأميركيون. بات العرب يحتاجون الى حد أدنى من التضامن، ليحولوا دون تحول الاستفزاز الإسرائيلي استفزازاً دولياً. انهم يحتاجون الى قمة شبيهة بالقمة الثلاثية التي انعقدت في القاهرة بين مصر والسعودية وسورية، قبل سنوات، في مواجهة نتانياهو المتخفي بباراك. ان قمة عربية ما باتت حاجة ملحة بدلاً من تشتت الأدوار الإقليمية للدول العربية.