في خطوة تعكس توتر العلاقات بين تونس والحكومة الاشتراكية في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والاشتراعية الأخيرة، وجهت الوزارة الأولى في تونس تعميماً إلى الوزارات والمؤسسات العمومية حضتها فيه على تعميم استخدام اللغة العربية "في المعاملات الداخلية والخارجية"، محذرة من "استخدام اللغات الأجنبية"، في إشارة إلى الفرنسية التي ما زالت تتمتع بحضور واسع في وزارات ومصارف وشركات عمومية عدة. وحدد التعميم الاجل الأقصى للتخلي عن استخدام "اللغات الأجنبية" بنهاية السنة المقبلة، فيما لوحظ ان السلطات البلدية باشرت حملة واسعة لسحب اليافطات والاعلانات المكتوبة بالفرنسية فوق مباني الشركات والمحلات التجارية والإدارية. وأتت الحملة الحالية على اللغة الفرنسية على خلفية "الخضة" التي تشهدها العلاقات مع الحزب الاشتراكي الفرنسي، بعد التعليقات في المحطات الاذاعية والتلفزيونية الفرنسية على الانتخابات الأخيرة في تونس، مما حمل التونسيين على وقف البث المباشر لبرامج القناة الثانية الفرنسية، بعدما كانت تبثها محطات تقوية الإرسال التونسية بموجب اتفاق سابق بين وزارتي الاتصالات. وعزا مراقبون قطع البرامج التي كانت تلتقط مع برامج التلفزيون التونسي من دون "دش" إلى بث تحقيقات مع معارضين تونسيين شككوا في شعبية "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم الذي فاز بأكثر من 91 في المئة من أصوات المقترعين في الانتخابات التي أجريت الأحد قبل الماضي طبقاً للنتائج الرسمية. وتعكس "الخضة" الحالية العلاقات غير المستقرة مع الإشتراكيين الفرنسيين سواء في الولاية الأخيرة للرئيس الراحل فرنسوا ميتران أو بعد عودتهم إلى الحكم في الولاية الحالية للرئيس جاك شيراك، إذ ارجئت الزيارة الرسمية التي كان مقرراً أن يقوم بها وزير الخارجية هوبير فيدرين لتونس العام الماضي إلى أجل غير محدد، بسبب إشكال بروتوكولي تمثل برفض السلطات التونسية الموافقة على مجيء صحافي فرنسي كان سيرافق الوزير ضمن وفد إعلامي لتغطية اجتماعات اللجنة المشتركة التونسية - الفرنسية للتعاون. وكلف فيدرين رئيس مكتبه رئاسة الوفد الفرنسي إلى اجتماعات اللجنة مع وزير الدولة للشؤون الخارجية التونسي الطاهر صيود. وعلى رغم العلاقات الحميمة التي تحتفظ بها شخصيات اشتراكية فرنسية مع كبار المسؤولين التونسيين، في مقدمها وزير الداخلية الحالي جان بيار شوفانمان، فإن العلاقات بين الجانبين لم تشهد الاستقرار سوى في فترات قصيرة. إلا أن "الخضة" الحالية شكلت أعنف أزمة في العلاقات الثنائية منذ 1994، وكانت الأزمة السابقة تزامنت مع قرار تونسي بتكريس التعريب الشامل للإدارة العمومية ووقف بث برامج القناة الثانية الفرنسية عبر محطات التقوية المحلية. إلا أن القرارين جمدا لاحقاً بعد معاودة العلاقات الطبيعية في ظل حكومتي ادوارد بالادور وألان جوبيه. ورجحت مصادر تونسية مطلعة ان قرار تعليق بث برامج القناة الثانية الفرنسية في تونس بات خطوة لا تراجع عنها، كون "قنان الشباب" التونسية مددت فترات البث واحتلت الموقع الذي كانت محطات الارسال المحلية تبث منه برامج القناة الفرنسية الثانية. كذلك لوحظ ان وسائل الاعلام المحلية تفادت الانزلاق إلى شن حملة شاملة على فرنسا، وخصصت مساحات واسعة لشخصيات سياسية قريبة إلى الرئيس شيراك أدلت بشهادات مشجعة للتجربة التعددية التونسية، بينها السيناتور بيار لافيت نائب رئيس جمعية الصداقة الفرنسية - التونسية في البرلمان الفرنسي، ورئيس "التجمع من أجل الجمهورية" سابقاً فيليب سيغان المولود في تونس. لكن مراقبين رأوا ان "الخضة" الحالية لن تتجاوز دائرة "الأزمة الاعلامية" واستدلوا بأن فرنسا تبقى دائماً الشريك الأول لتونس على كل الصعد، على رغم دخول منافسين جدد على الخط في السنوات الأخيرة. وحافظ الفرنسيون على الرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلد حتى الآن، وقدر عدد المصانع التي أنشأها متمولون وصناعيون فرنسيون بأكثر من 640 مصنعاً تؤمن 47 ألف فرصة عمل. وأظهرت دراسة وضعتها أخيراً غرفة التجارة والصناعة الفرنسية - التونسية ان 81 مؤسسة فرنسية تخطط لتوسيع مشاريعها في البلد، فيما حافظت فرنسا على المرتبة الأولى أيضاً بين مانحي المساعدات الاقتصادية والقروض والمنح الدراسية لتونس. يذكر ان السفير السابق الأميرال جاك لانكساد الذي تزامنت فترة خدمته في تونس مع عودة العلاقات إلى الاستقرار، احيل على المعاش الشهر الماضي، ورشحت الخارجية الفرنسية المفتش العام للوزارة دانيال كونتوناي ليحل محله.