بكاميرا ديناميّة وملوّنة، غاص المخرج طوني أبو الياس في تصوير فيلم سينمائي كتب قصته وحواره انطوان غندور عنوانه "الفجر". وبدا أبو الياس متمكناً من حرفة تجمع بين جمال الإطار وعمق الأداء لدى ممثلين عجنتهم خبرة واثقة. ولعل مناخ القصة وتركيبتها البسيطة والغنية بالمواقف، وكذلك سلاسة الحوار، كانت حافزاً كافياً لنسق اخراجي جيد حققه المخرج في تجربة سينمائية أولى له. الفيلم درامي تاريخي تدور حوادثه في زمن الانتداب ويروي قصة صحافي مناضل يحرر مقالاته الرافضة للحكم الفرنسي، فتنصح له إدارته بالهرب الى الجبل ليعمل مدرساً في احدى القرى. في الوقت نفسه، تنطلق معركة الاستقلال في 11 تشرين الثاني نوفمبر 1943 ضمن أجواء صاخبة تكثر فيها التظاهرات المطالبة بجلاء الفرنسيين، واعتقال مسؤولي الحكومة اللبنانية في راشيا. لكن غندور لم يغرق كثيراً في تفاصيل معركة الاستقلال، وأعطى المناخ الدرامي حقه عبر التركيز على علاقة الصحافي بالصحافية في أجواء مشحونة، اضافة الى دورهما في سياقها. يؤدي البطولة وليد العلايلي في دور "درامي" الصحافي وميرنا خيّاط زوجة أبو الياس في دور "ناديا" الصحافية ويشاركهما البطولة 48 ممثلاً وممثلة منهم خليل أبو خليل في دور الرئيس بشارة الخوري وجوزف سعيد في دور الرئيس رياض الصلح وجوزف آصاف في دور المير مجيد أرسلان، ولائحة طويلة تضم سليمان الباشا وأسعد حداد والكو داوود ونعمة بدوي ويوسف حداد وضيا يونس وكمال الحلو وباتريك مبارك وريمون صليبا وطارق تميم وعلي الزين وسواهم. أما قيادة الجيش اللبناني فكان دورها أساسياً إذ ساعدت أبو الياس في تأمين 2400 كومبارس وعدد كبير من الأسلحة القديمة اضافة الى 40 زياً عسكرياً خيّطت خصيصاً للفيلم. قبل ثمانية أشهر بدأ التصوير في اطار يقترب كثيراً من عصر الحدث، صوراً ومناخاً وسينوغرافيا وشخصيات اختارها أبو الياس ملائمة لعمله ومشابهة تماماً لرجالات الاستقلال، وقال "معظم المشاهد صوّرت في دوما وراشيا وحصرون وطرابلس والبترون، وقد ساعدتنا أسواقها وأزقتها وبيوتها العتيقة في نقل صورة قريبة من الواقع. لكن الصناعة السينمائية تتطلب عناصر ضرورية لإنجاز انتاج ضخم وأهمها الأستوديوهات الخارجية أو ما يسمى المدن السينمائية. مع ذلك، تمكنا من استعادة أجواء الاستقلال عبر الاعتماد على الكومبيوتر لإكمال ما ينقص من تلك الأمكنة للوصول الى الخلفيّة المشهديّة المطلوبة". أضاف "كذلك، تم تأمين اكسسوارات وثياب وسيارات كثيرة من العصر جُمِعت من أنحاء المناطق اللبنانية لإعطاء الانطباع الواقعي لتلك المرحلة. التصوير تم بكاميرا سوبر 16 ملم وسيحوّل الفيلم لاحقاً 35 ملم. وعلى صعيد الصوت، اعتمدت تقنيّة نظام "دولبي"، وسأنتقل الى اليونان ولندن للتحميض والى الولاياتالمتحدة للتوليف والطباعة كي يأتي الفيلم بمستوى لائق ومقبول عالمياً". وأوضح أبو الياس "صوّر هذا الفيلم المكوّن من ساعة و40 دقيقة سينمائية بموازنة تجاوزت 300 ألف دولار لحساب شركة "سانيلاند فيلم" وقد أمَّنت لنا ظروف انتاجيّة شبه كاملة ومناخ عمل ملائم سواء لجهة فريق العمل أو من حيث رعايتها وسهرها على تنفيذه في مستوى محترف وخصوصاً السيد محمد ياسين الذي يراهن على امكانية صناعة سينمائية لبنانية جديدة. وقد تُرجم هذا التوجه بتوفير امكانات لإنتاج أفلام جديدة وُضِعت سيناريواتها بين يدي". لكن أبو الياس لم يعمل وحيداً لإنجاز هذا العمل بل تعاون مع غندور لكتابة السيناريو، وجنّد فريق كبير تولى تنفيذ الشؤون التقنيّة والفنية والإداريّة، وقد تألف من مدير التصوير ايلي حسواني والملابس بول عسل والموسيقى هاني سبليني، وأغنية الجنريك من كلمات وألحان ايلي شويري وهندسة الصوت محمد الكبي و"غرافيكس" محمود القرق ومنتج منفذ ميرنا خياط ومساعد اخراج غازي واكيم وجورج كوليا. وأكد أبو الياس "ان فكرة تحقيق فيلم عن الاستقلال نضجت قبل عامين، حين صوّرت كليب "حكاية استقلال" الذي كتب أغنيته ولحنها منصور الرحباني وغنتها هدى. لذا لم يكن صعباً عليّ استعادة الأجواء نفسها مع توافر امكانات أكبر تليق بإنتاج سينمائي كبير. انطلاقة أبو الياس كانت تلفزيونية عبر "المؤسسة اللبنانية للإرسال" وتحديداً من برنامج المقالب الطريفة "كاميرا وين" ثم نفّذ معظم الإعلانات الترويجية للمحطة وعدد كبير من الأغنيات المصوّرة لمغنين معروفين، كذلك يعمل لحساب محطة "راديو وتلفزيون العرب".