قدر آخر تقرير لمؤسسة التصنيف العالمية "ستاندرد اند بورز" نسبة المنتوج القومي الاجمالي لتونس خلال الأعوام الاخيرة بخمسة في المئة سنوياً متجاوزاً مثيله في كل من مصر واليونان. واعتبر ان متوسط النمو السكاني في البلد بات اقل من متوسط نمو السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا 2.4 في المئة سنويا ما ادى في ظل نمو اقتصادي جيد الى بلوغ مستوى من الدخل الفردي هو الأعلى في شمال افريقيا، اذ قدر ب2000 دولار في مقابل 1300 دولار لكل من مصر والمغرب الا ان مستوى دخل التونسي 2428 دولاراً في الأرقام الرسمية لا يزال دون مثيله في بلدان اكثر تقدماً حصلت على تصنيف BBB مثل اليونان التي قدر الدخل الفردي فيها بنحو 11000 دولار. ومنحت "ستاندرد اند بورز" تونس تصنيفاً ائتمانياً في فئة A/stable/A-1 وتصنيف BBB-/stable/A-3 بالعملة الاجنبية. وساعدت عناصر مختلفة في اسناد هذا التصنيف في مقدمها التزام تونس المضي في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية البنيوية لزيادة النمو وتنفيذ سياسات مالية ونقدية محافظة تضمن ضبط العجز في الموازنة ولجم التضخم وتكريس الاستقرار النقدي. وكشف تقرير مؤسسة التصنيف نجاحات في بعض المجالات مثل التحكم بعجز الموازنة ولجم التضخم ونقائص في مجالات اخرى خصوصاً حجم الدين الخارجي قياساً على البلدان المماثلة الحاصلة على تصنيف BBB. وأفاد ان تونس استطاعت ضبط معدلات العجز في الموازنة عند مستوى راوح بين ثلاثة وخمسة في المئة من الناتج القومي الاجمالي، وهو مستوى اعلى من مثيله في مصر بنقطة واحدة، فيما بقي حجم الدين العام الذي قدر ب63 في المئة من المنتوج القومي الاجمالي اعلى بكثير من متوسط الدين في البلدان الحائزة على تصنيف BBB والبالغ 33 في المئة، وإن كان اقل بكثير من اعباء الدين في مصر واليونان مثلاً. لجم التضخم الا ان تونس نجحت في لجم التضخم وإبقاء معدلاته عند عتبة 3.7 في المئة العام الماضي ما اعتبر مستوى جيداً قياساً على البلدان الحائزة على تصنيف ائتماني مماثل. وسجل التقرير للتونسيين انهم لم يلجأوا الى طلب معاودة جدولة ديونهم الخارجية على عكس مصر والجزائر، على رغم ان الدين الخارجي التونسي اكبر من الدين الخارجي للبلدان التي وضعت في خانة BBB، اضافة الى ان تونس بقيت مساوية لتلك البلدان من حيث خدمة الدين الخارجي التي وصلت الى نحو 35 في المئة من قيمة الصادرات. وزادت الايرادات الحكومية في العام الماضي بنسبة تسعة في المئة نتيجة النمو الاقتصادي المطرد وزيادة الصادرات والواردات بنسبة 9.8 في المئة ونمو المنتوج المحلي الاجمالي بنسبة 5.4 في المئة، فيما كان متوقعاً تراجع الايرادات الحكومية بعد مباشرة العمل باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والذي أُلغي بموجبه كثير من الرسوم الجمركية. وأشار التقرير الى ان تونس نجحت في خفض نسبة العجز الى اجمالي المنتوج المحلي من 5.1 في المئة عام 1995 الى 3.2 في المئة العام الماضي. الا ان التقرير حض على تعزيز الموارد للمحافظة على توازن الموازنة والحد من تضخم الدين العام في ظل تراجع مستوى الواردات جراء الالغاء التدريجي للرسوم الجمركية عملاً ببنود الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي والذي يمتد تنفيذه على 12 عاماً. وأظهر التقرير ان ايرادات الخزينة من الضرائب ارتفعت منذ العام 1993 بنسبة واحد في المئة لتصل الى 25.7 في المئة من المنتوج المحلي الاجمالي العام الماضي، فيما تراجعت الايرادات العامة الى 29 في المئة من المنتوج المحلي. كذلك اظهر التقرير ان الانفاق الحكومي تراجع في الفترة نفسها بنسبة 2.2 في المئة سنوياً ليصل الى 32.3 في المئة من المنتوج المحلي الاجمالي العام الماضي، وعزا ذلك الى خفض حجم التسليفات للمؤسسات العمومية الخاسرة. ارتفاع الضرائب ورجح تقرير "ستاندرد اندبورز" ان السياسة النقدية المحافظة التي انتهجها المصرف المركزي التونسي ساهمت في خفض معدلات التضخم التي تراجعت الى 3.7 في المئة في العامين الاخيرين في مقابل 6.3 عام 1995. وعلى رغم ان الضرائب زادت وارتفعت اسعار بعض السلع، حافظت معدلات التضخم على استقرارها العام الماضي بفضل انخفاض اسعار السلع المستوردة بعد خفض الرسوم الجمركية وانخفاض اسعار النفط والارتفاع التدريجي لقيمة الدينار في مقابل العملات الاجنبية خصوصاً عملات شركاء تونس الرئيسيين. وتطرق التقرير الى مسار تطوير الجهاز المصرفي وأوضح ان الحكومة التونسية اتخذت اجراءات عدة طيلة السنوات العشر الماضية لاصلاح وتحديث انظمة الادارة فيه تحقيقاً لدرجة اكبر من المرونة على صعيد البنية القانونية. وعلى رغم الخطوات الصغيرة التي قطعتها السلطات في طريق خفض حصة الدولة في المصارف التجارية بوصفها احد الخيارات لاضفاء الحيوية على الجهاز المصرفي ومعاودة هيكلته وتنويع نشاطه ما زال من المستبعد اعتماد خطة واسعة لتخصيص المصارف العمومية التي تتقدم لائحة المصارف المحلية لأن السلطات تعتبر ان القطاع يرتدي "طابعاً استراتيجياً". ويخضع القطاع المصرفي في ظل المركزية الاقتصادية الصارمة لمراقبة المصرف المركزي المباشرة ما يشكل عائقا امام تحسين التصنيف السيادي لتونس. وفي هذا الاطار قدرت "ستاندرد اند بورز" نسبة الأصول في القطاع المصرفي المشكوك بها بما بين 23 و45 في المئة من المنتوج المحلي الخام. قوانين لاستقطاب الاستثمار وفيما عزت السلطات التونسية ترددها في التحرير الشامل للقطاع المصرفي الى خوفها من تدفق الرساميل المضاربة، لاحظ التقرير انها سنّت قوانين جديدة وعدلت في السابقة لاستقطاب الاستثمار الخارجي المباشر من خلال حماية الاستثمارات والسماح باخراج الرساميل والفوائد وتأمين الحوافز والاعفاءات الضريبية لمشاريع الشراكة والشركات غير المقيمة اوف شور. ولا تزال الاستثمارات الاجنبية المباشرة محدودة لأن السوق صغيرة ولعل هذا الوضع هو احد اسباب الدعوات التونسية المتكررة لتنشيط الاتحاد المغاربي والتفاعل الايجابي مع مبادرة ايزنستات. وركزت الاستثمارات الاجنبية المباشرة في تونس على قطاع الطاقة الذي استأثر ب65 في المئة من الحجم الاجمالي للاستثمار الاجنبي المباشر. ومثلما توقع التقرير استقطبت عمليات التخصيص عددا متزايدا من المستثمرين الاجانب، اذ بيع مصنعا اسمنت في وقت سابق الى مجموعتي "سنبور" البرتغالية و"اونيلاند" الاسبانية ودرت نحو 440 مليون دولار 380 مليون دولار طبقا لتقديرات المصرف المركزي. وأعلنت الحكومة انها تعتزم بيع ثلاثة مصانع اسمنت اخرى لمجموعات اجنبية قبل نهاية العام الجاري. وعزا التقرير البطء الذي اتسم به مسار التخصيص في الأعوام الماضية الى الخوف من انعكاساته الاجتماعية خصوصاً صرف عمال الشركات العمومية من العمل بعد بيعها للقطاع الخاص ما يعزز مشكلة البطالة التي قدرت نسبتها طبقاً للاحصاءات الرسمية ب16 في المئة في العام الماضي، كذلك عزاها الى الطابع "الاستراتيجي" الذي اضفته الحكومة على قطاع النقل الجوي والمياه والمصارف والتي ستبقى تحت سيطرة القطاع العام. ولحظ التقرير تحديات قال ان الاقتصاد التونسي مرشح لمجابهتها بعد بدء تدفق السلع الاجنبية في اعقاب التطبيق الفعلي لاتفاق الشراكة مع أوروبا والالغاء التدريجي للحواجز الجمركية. وشدد على هشاشة بنية الشركات المحلية التي يطغى عليها الطابع الأسري، اضافة الى ان غالبيتها من فئتي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ومن اجل مجابهة هذه الاخطار وضعت وزارة الصناعة خطة واسعة لتحدي القطاع الانتاجي اطلق عليها "خطة التأهيل" يتوقع ان تشمل اكثر من 2000 مؤسسة صناعية وخدمية محلية وقدرت كلفة تنفيذها ب2.5 بليون دولار.