نشرت جريدة "الحياة" في الشهر الماضي موضوعاً عن المنظمات اليهودية، وكيف ترفع دعاوى قضائية لاسترداد ممتلكات اليهود التي اشتراها النازيون بالبخس او اغتصبوها من اصحابها. ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي اقرأ فيها عن هذه القضية. قضية تعويض اليهود عما اصابهم من النازية بعد ان وضعت الحرب أوزارها. وهي قضية استغلها اليهود افضل استغلال واكمله لحساب المصلحة العليا لدولة اسرائيل. لقد اعلنت دولة اسرائيل بعد ميلادها انها هي الوكيل الوحيد عن جميع اليهود الذين اضيروا في الحرب العالمية الثانية. يستوي في ذلك ان يكون الاضرار قد لحق بهم بدنياً ووصل الى حد القتل، او يكون الاضرار قد اصاب املاكهم ومقتنياتهم وذهبهم وكل حاجاتهم الشخصية. وهكذا رفعت اسرائيل راية التعويض.. بمعنى انها اعلنت انها ستطالب بتعويض عن قتلى اليهود.. وممتلكاتهم في الوقت نفسه. كان تقرير الدولة الرسمي لعدد القتلى في معسكرات الاعتقال هو 6 ملايين يهودي. وهذا الرقم مبالغ فيه طبقاً للدراسات التي قام بها اكاديميون تعرضوا للاضطهاد الشديد حين اقتربوا منذ هذا الرقم وحاولوا تصحيحه. ولقد كان المفكر العالمي روجيه غارودي واحداً من هؤلاء. وقد نجحت اسرائيل ان تدفع العالم الغربي واوربا بالتحديد لسن قانون "جيسو" وهو قانون يتيح محاكمة كل من ينكر ما اصاب اليهود في المحرقة، او يحاول مناقشة الرقم الحقيقي، واعتبرت اسرائيل ان هذا الموضوع يدخل تحت خيمة العداء للسامية. ويمكن القول إن اسرائيل تعاملت مع قضية التعويضات مثلما تعامل الذئب مع الحمل في الحواديت القديمة. قال الذئب للحمل لقد عكرت عليّ الماء.. قال الحمل: كيف تتهمني بتعكير الماء عليك بينما تشرب انت من المنبع الصافي واشرب انا من المصب العكر. قال الذئب: لا تدافع عن نفسك.. ان جريمتك أوضح من اي دفاع، قالها الذئب وقفز يلتهم الحمل. ان شيئاً قريباً من هذا كله وقع في قضية التعويضات لقد التهمت اسرائيل من الميزانية الالمانية بلايين الدولارات كتعويض، ووقع هذا بعد إنشاء الدولة مباشرة، واستمر حتى اليوم، وان اخذ اليوم صوراً جديدة ومثيرة. بعد ان انتهت التعويضات الالمانية لم تتوقف اسرائيل عن المطالبة بتعويضات جديدة. ونحن نذكر جميعاً تعويضات البنوك، وتعويضات الشركات، وتعويضات المؤسسات عن كل ما كان يملكه اليهود ثم باعوه اثناء سطوة النازي او حتى قبلها. وتقود حملة الدعاوى هذه جمعيات ومنظمات يهودية مركزها الرئيسي في نيويورك، ويدعمها في مطالبها بشكل قوى حكومة الولاياتالمتحدة الاميركية وحكومة اسرائيل. وتقوم الشركات السينمائية التي يملكها اليهود بعمل حملات منظمة تظهر فيها ما حدث لليهود من اضطهاد، وكيف كانوا يملكون القصور والتحف واللوحات الزيتية الغالية، وكيف ضاع هذا كله اثناء حكم الرايخ الثالث. وعلى الحكومة الالمانية وبنوك المانيا، بل وبنوك سويسرا ان تدفع الآن تعويضات عن هذا كله. ولقد وافقت السلطات الالمانية والعديد من الشركات والبنوك على تأسيس صندوق تعويضات لضحايا النازية برأسمال قدره 7،1 بليون دولار بشكل مبدأي، ولكن المنظمات اليهودية بدعم من واشنطن وتل ابيب لم توافق على هذا الاقتراح على اساس ان التعويضات غير كافية وغير عادلة، ويجب ان تكون بحدود 20 بليون دولار. كم قدمت المانيا من تعويضات لاسرائيل، باعتبارها الوكيل الشرعي الوحيد الذي سيقبض التعويضات الالمانية والاوربية. لقد مضى على بداية التعويضات نصف قرن تقريباً، ويقدر الخبراء ان المانيا قدمت بليون مارك سنوياً. كان آخرها على سبيل المثال تمويل بناء ثلاث غواصات تحمل رؤوساً نووية تقدر قيمتها بما لا يقل عن 107 بلايين مارك. لا يستطيع المرء أن يخفي دهشته وذهوله من تكنيك اسرائيل في قضية التعويضات. وان كنا نظل مسجونين في دهشتنا دون ان نستفيد شيئاً مما نراه يقع امامنا كل عام او كل شهور عدة. ولعل الجديد في تحقيق الاستاذ إبراهيم محمد - من برلين - في "الحياة" يدفعنا خطوة للأمام في مجال تجاوز الدهشة الى شيء من العمل المفروض. وهو ينهي مقاله بقوله: - ان اسرائيل والمنظمات اليهودية تقدم للفلسطينيين والعرب درساً ينبغي التعلم منه على صعيد استعادة الحقوق المغتصبة من ملكيات وغيرها. وهو يرى ان حق اليهودي في ملكيته التي صادرها النازيون قبل الحرب العالمية الثانية واثناءها يقابله حق الفلسطيني في ملكيته التي صادرتها العصابات الصهيونية والدولة الصهيونية منذ نكبة 1948. وينعي الكاتب على السلطة الفلسطينية موقفها من هذه القضية.