بادر الرئيس الاندونيسي عبدالرحمن وحيد الى معالجة قضيتين في منتهى الجدية والحيوية حتى قبل ان تتشكل حكومة العهد الجديد. القضية الاولى، هي الوضع الاقتصادي الذي يتطلب انطلاقة تضعه على طريق الانتعاش تمهيداً لمسيرة تنموية طويلة لكن مضمونة. اما القضية الثانية فهي سياسية ربما يكون التكوين الجغرافي للبلاد مسؤولاً عن اثارتها. فاندونيسيا هي كما يسميها البعض "البلاد - العالم" تضم اعراقاً متعددة وكأنها امم متلاصقة اندمجت في دولة واحدة هي الجمهورية الاندونيسية، في اطار دستوري واضح احد مبادئه الخمسة "الوحدة في التنوع". وفي وقت بادر الرئيس الجديد الى انشاء مجلس وطني اقتصادي كمؤسسة استشارية تضم القوى السياسية والكفاءات العلمية المختصة لتدرس المشروع الاقتصادي في العهد الجديد وتقدم الافكار للحكومة ومشاريع الخطط حسب كل ميدان، فان الرئيس وحيد اقترح بجرأته المعهودة كمفكر وسياسي وزعيم، الحل الفيديرالي كاطار عصري لوحدة اندونيسيا. ويضمن هذا الحل استمرار "الوحدة في التنوع" وذلك بعدما كان النظام القديم طرح الاستفتاء كحل لاقليم تيمور الشرقية، ما أدى في النهاية الى انفصاله الكامل عن الدولة الاندونيسية مسبوقاً بفواجع رهيبة أتى بها جزء من التيموريين الراغبين في البقاء ضمن الدولة الأم ضد الجزء الآخر الراغب في الاستقلال والانفصال. واصبح الاستفتاء افضل نموذج بالنسبة الى القوى السياسية في اقاليم اخرى راغبة في الانفصال عن الدولة. وأبرز هذه الأقاليم هو اتشي في شمال سومطرة حيث الاتجاه الاسلامي الراديكالي وجزيرة امبون المحاذية لجزيرة بالي ولجاوة الشرقية، اضافة الى اقليم ايريان جايا الملاصق لغينيا الجديدة حيث تسكن على غرار جزيرة امبون، غالبية مسيحية يرجع وجودها الى الاقتحام الاوروبي في القرن السابع عشر. ومنطقة شرق اندونيسيا، وصل اليها البرتغال قبل المسلمين، فلم ينتشر فيها الاسلام الذي دخل اندونيسيا منذ القرن الثالث او الرابع عشر من بوابة اتشي وصولاً الى السواحل الشمالية لجزيرة جاوة حيث قامت سلطنة دمق الاسلامية ثم الى شيربون فوسط جاوة من دون ان يهتم بالشرق الاقصى الاندونيسي. ويبدو حالياً ان الاتجاه الفيديرالي الذي يقترحه الرئيس عبدالرحمن وحيد، سيبدأ من اتشي شمال سومطرة، اذ يجري الحديث منذ وصوله الى الرئاسة، ان حكومة محلية ستقوم قريباً في "اتشي" كما سيتم انتخاب برلمان للاقليم. وبذلك تتصرف اتشي في حكم ذاتي موسع في اطار الدولة الاندونيسية، في حين كان النظام السابق يحاول تهدئة خواطر المطالبين بالاستقلال باقامة تمثال كبير يخلد دخول الاسلام من هذه المنطقة في اقصى الشمال وانتشاره من ذلك المنطلق. ويعتزم الرئيس وحيد زيارة اتشي لتهدئة التوتر ودراسة الوضع على الارض، بينما ستقوم نائبته ميغاواتي سوكارنو بوتري بزيارة مماثلة الى كل من امبون وايريان جايا، اضافة الى منطقة رياو الثرية بالمعادن. وعلى ذكر المعادن فان اندونيسيا كلها مهد للمعادن المتنوعة حتى يكاد المبدأ السياسي "الوحدة في التنوع" يترجم ايضاً الى مبدأ اقتصادي "الاستثمار في التنوع".