العروض التي قدمتها فرقة "الورشة" المسرحية المصرية في المدن السورية اللاذقية، حلب، دمشق، أثارت الحوار من جديد في الأوساط المسرحية والثقافية السورية. في موضوع اشكالي وهو: "مسرحة التراث"، وفكرة البحث عن تأصيل المسرح العربي وصولاً إلى تحديد ملامح وهوية خاصة بهذا المسرح، وهذا ما برز من خلال الحوار الساخن الذي جرى بين أعضاء الفرقة وأساتذة وطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية، حيث طُرح السؤال عن مغزى شغل "الورشة" على "السيرة الهلالية"، وإلى أي حد يمكن تسمية ما قدمته الفرقة ب"المسرح". أعادت عروض هذه الفرقة إلى الأذهان فكرة مسرح "الحكواتي" ومسرح "المقهى" و"السامر"، وتجربة المغربي الطيب صديقي الذي قدم في السبعينات ضمن عروض مهرجان دمشق المسرحي تجربته في مسرحة مقامات "بديع الزمان الهمذاني"، وكل هذه التجارب كانت تصب في فكرة البحث عن ملامح خاصة لمسرح عربي، وتنظّر لمسرحة التراث، لكن السؤال: أين هي هذه التجارب الآن؟ ولماذا لم تستطع أن تبلور تلك الملامح والصيغة الخاصة بمسرح عربي؟ ثمة مخاوف أثارها النقاش من "تتريث" من تراث المسرح، أو بمعنى آخر الوقوع في مطب النظرة الساكنة، وهذا لا يعني القبول بالاتجاه المعاكس لبعض المسرحيين العرب الذين يجربون بعض الأعمال المغرقة في غرابتها، تحت ذريعة "التجريب" والمسرح "التجريبي" التي باتت كلمة مطاطة بلا حدود. في معرض الاجابة يقول حسن الجريتلي، مدير فرقة "الورشة": "إن اللقاء مع نفسك هو الذي يحررك من التبعية". وهذه الفكرة هي جزء من مجموعة أفكار عمل الجريتلي عليها مع فرقته التي تأسست سنة 1987، حين استطاع طرح التراث الشعبي المصري عبر المسرح، محرراً هذا الأخير من تقليديته على صعيد الشكل والمضمون وطريقة العرض. من جهة أخرى، أدركت "الورشة" غياب عنصر الحكي عن المسارح العربية على عكس ما يعتقد الكثيرون مع أنه عنصر مهم للتواصل بحرارة وعمق مع الآخر، لذلك عملت الفرقة على تطوير مهارة الممثلين في الشغل المسرحي على فنون شعبية أخرى كالتحطيب والعزف على الآلات الشعبية مزمار، ربابة، طبلة، ارغول...، وهذا ما خلق علاقة مختلفة مع الجمهور، تتكامل مع البحث عن فضاء جديد لعرض مسرحي مختلف، فكانت "الخيمة" أو "الشادر" الذي صممه طارق أبو الفتوح، ليكون الفضاء الذي تتنقل به الفرقة داخل مصر وخارجها كبديل للعلبة الايطالية، وهذا ما منح الفرقة حيوية اللقاء مع الناس والتحدث "معهم وليس إليهم" من خلال كسر الفاصل بين الخشبة والجمهور، مما خلق امكانات واسعة للتواصل الحميمي فتحت آفاق الخيال عند الممثل والمتلقي الذي يتورط بدوره - مع كل عرض للورشة - باللعبة المسرحية التي توفر له متعة اكتشاف مساحات جديدة في خياله لم يكن يدرك سابقاً أنه يمتلكها.