شعثًا مغبرًا أيها الأعرابي تمضي في رحلتك باحثًا يسُوقك الوجد والطرب عن (رقيم ودهاق العرب), اكفهرت بك الليالي المدلهمّة تُلملم الليل.. استهواك السمر والقمر الليلة استأذن غاربًا ليمتد روق الظلمة, فأجب داعي الليل البهيم وهو يدعوك للتهويم. وبعد أن يسفر الصباح المنير ستحمد أيها الأعرابي السُّرى. اليوم سأحدثكم عن سورية حديثنا الأخير بعد أن قضينا معًا ثلاثة أسابيع في دمشق عاصمة الأمويين كان أديمها من لونين. لا جرم أن نودعها اليوم ونودع رجالها وجبالها وبطونها, وداعًا يا جامع الأمويين وساحة العباسيين ووداعًا جبل قاسيون يا موئل وقبلة نصوص الشاميين, طبتم مراحًا يا كل السوريين, عرضتم لنا كل ما هو حسن يسر العين لوحاتكم ومنحوتاتكم, وسرحنا في مسارحكم وتسمرنا أمام فنونكم «الدرامية والسينمائية وأطربنا غانيكم في مغانيكم ب«العتابا» و«الدبكة» (فوق النخل فوق النخل.. فوق مدري لمع خده يا بابا مدري القمر فوق), فتباركت آلاؤكم التي كفلها الزمان وساد فيكم سؤددكم. قُرّاء (المجلة الثقافية) سنستريح بعد هذا السبت هاشين باشين عند فارقة الطريق إما إلى بغداد وإما إلى عمان فيكون سبتنا الموعود عمُّونيًا أو زورانيًا. جميلة أحبها واسمها شآم.. لم يولع الشعراء والكتاب بالتغني بأمجاد وحضارة وحُسن وجمال عاصمة عربية مثلما تولع وهام السوريون بشامهم فتهادت قصائدهم وحروفهم في دمشق, دمشقالمدينة التي شابت على أهدابها القرون وعيناها في شباب دائم. الأديب والباحث غازي الملحم تناول هذا التعلق والتعلق الأزلي واصفًا المشهد المتسلل لجوانح الشعراء والعُشاق والحالة المستكنة حيال ما يؤزهم ويهزهم لشامهم فقال: أصعد «قاسيون» الجبل النبيل الأشم, أصل المكان الذي أظنه الأعلى، ولم ينته الجبل بعد, لكن مشهدا آسرا للغروب يستوقفني, ودمشق تودع النهار ويختلط حلوها ومرها في الفضاء, فتصنع نسيجا متوهجا, تمتزج فيه الألوان. يقول الشاعر خليل خوري: من قاسيون أُطلُّ يا وطني… وأرى دمشق تعانق السحبا نعم هي دمشقالمدينة التي شابت على أهدابها القرون وعيناها في شباب دائم وذاك هو شاعرها (شاعر الجبل) الراحل محمد الأحمد يقول متغزلا حسنها ويستعيد لفاف مجدها: هذي مَغاني جِلّقٍ والمعالِمُ لكَ الخيرُ أم هل أنتَ وسنانُ حالمُ بلى هذه أمُّ العواصم جلّقٌ وهذي ليوث الغوطتين الضراغم ويحل موعد مغادرة المكان, فأدرك أنها صارت مضغة في الفؤاد, ولي أن أختار, بين أني اتركها, أو أصحبها حيث أكون, وأزعم أني أخذتها معي, صورا وحكايات, يكتب سطورها المبدعون, وترسم أنفاسها الأماكن كما رسم أنفاسها الشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي: نزه الطرف في دمشق ففيها كلما تشتهي وما تختار هي في الأرض جنة فتأمل كيف تجري من تحتها الأنهار دمشق, ذات الأنهار والرياحين, تتلمس الحسن في ربواتها, وتجد السحر في غيطانها وخلواتها, ويشنف مسامعك همسات بساتينها وبوح أزهارها, ويمتع بصرك حمرة أراضيها في خضرة صفصافها تحت بياض قصورها وسامق حصونها، وهذا شوقي نراه يقول: آمنت بالله واستثنيت جنته دمشق روح وجنات وريحان قال الرفاق وقد هبت خمائلها الأرض دار لها الفيحاء بستان كما قال فيها: سلام من صبا بردى ارق ودمع لا يكفكف يا دمشق فتحت جنباتك الأنهار تجري وملء رباك أوراق وورق وتعال معي إلى سر حياة دمشق وشريانها الأهم «بردى» هناك حيث سهل الزبداني ترى بحيرة ساجية صامتة بوقار المسنين، ينساب فيها بردى النهر الخالد, ومنه تتفرع انهار دمشق السبعة, إنه بردى الذي وصفه «سعيد عقل» وغنته السيدة فيروز: مُرَّ بي يا واعداً وعدا مثلما النسمةُ من بردى تحمل العُمْرَ تُبدِّدُه آه ما أطيبه بَدَدا رُبَّ أرضٍ من شذىً وندىً وجراحاتٍ بقلبي عِدى الهوى لَحْظُ شآميةٍ رقّ حتّى قُلْتَهُ نَفَدا هذه الأنهار فتأخذ طريقها عبر دمشق, لتنتهي إلى الغوطة الشرقية, التي تغنى بمفاتنها الشعراء وجودوا, يقول «أبو المطاع بن حمدان»: سقى الله ارض الغوطتين وأهلها فلي بجنوب الغوطتين شجون وما ذقت طعم الماء إلا استخفني إلى بردى والنيربين حنين وبعد يا بردى, والحنين يتوهج للأيام الدمشقية في قلب كل عاشق لدمشق: ويمر بي طيفها وتسكن الأحلام جميلة أحبها واسمها شآم «آكادية» الموسيقى والجوقات في القرن الثالث عشر قبل الميلاد فوق النخل فوق النخل فوق ما ادري لمع خدّه يابا ما ادري القمر فوق والله ما اريده ما اريده ش باليني بلوى *** بالله يا مجرى المي يابا سلّم عليهم عليهم صعبانة الفرقة علي يابا اشتقنا إليهم إليهم والله ما اريده باليني بلوى على إيقاع النغم الفلكلوري الجميل الذي صدح وتغنى به عدد من الفنانين السوريين استهل الدكتور أحمد عقيلي ذاكرة الموسيقى والطرب الغنائي في سورية مؤكدًا أن الموسيقا والفن الغنائي من أبرز الفنون وأكثرها رقياً ورونقاً، لأنها تخاطب الروح والخيال من جهة، والعقل والقلب من جهة أخرى، وهي أيقونة الروح في العالم عموماً والعالم العربي خصوصاً، مشيرًا إلى أنه قد عثر في المكان المعروف اليوم باسم تل الحريري على نتف من أناشيد وقصائد غنائية هي من أقدم ما هو معروف في التراث الثقافي الإنساني، والتي تتطابق مع أقدم لوحة موسيقية (آكادية) وجدت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، كما عثر على جوقات من الموسيقيين منحوتة على القدور، وعلى آثار تدل على وجود مدرسة متخصصة لتعليم الموسيقى، وهو الأمر الذي يبرهن على عمق اهتمام الإنسان السوري بالغناء والموسيقى منذ العهد السومري، وحتى اليوم، أي منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكنعانيين في (أوغاريت)، حيث كشفت دراسة الآثار والمدونات الموسيقية، والرُّقم أن السلم الموسيقي والنغمات التي ظهرت في أوغاريت مدونة حسب سلم فيثاغورث بالذات، ولكنه مكتوب قبل فيثاغورث ب 1200 سنة. وقد انتبه الأوغاريتيون إلى أن الآلهة شبيهة بالإنسان، فهي تأكل وتمرح وتتزوج، ولكنها لا تموت. حيث كان الإنسان الأوغاريتي إذا أراد شيئاً من الآلهة، يلجأ إلى الموسيقى باعتبارها محبوبة الآلهة، الأمر الذي يعني أن دخول الموسيقى إلى الدين كان شيئاً نفعياً من أجل الحصول على ما يريده منها. وأضاف: كانت (الكنّارة) أكثر الآلات الموسيقية استعمالاً، وهي آلة شبيهة بالقيثارة، وكان يصنّع بعضها من الذهب والفضة، ويُحفر عليه تماثيل رائعة. والكنارة عبارة عن مستطيل خشبي فيه علبة رنين في الأسفل، وتشتمل على سبعة أوتار. وقد استعمل الأوغاريتيون والكنعانيون، إضافة إلى الكنارة، الناي، والعود. جذور الموسيقى نوطها سورية وكشف «عقيلي» أن جذور أول «نوطة موسيقية» في العالم تعود لسورية القديمة كونها مهد الحضارات ومولد الأصوات الغنائية المبدعة بلاد أبي خليل القباني، صاحب أول أوبريت عربي. وقال: ولو تتبعنا جذور الموسيقا والحركة الغنائية لوجدنا أنه في سوريا القديمة، ومن أوغاريت بالذات، حيث اكتشفت أول نوطة موسيقية في العالم، وبالبحث في سمات الموسيقى السورية وخصوصاً الحديثة، نجد أنها مزيج من الموسيقى الشرقية ذات النغمات المختلفة، والتي جمعت أسسها من مختلف الحضارات المتعاقبة، وخصوصاً السريانية والتركية، وهو ما نجده ونلمسه بوضوح في الأدوات الموسيقية المستخدمة ولنا في القدود الحلبية خير مثال على ذلك، وهي في مجملها تشكل الذاكرة الجمعية السورية التي أثبتت حضورها في وقتها ومازالت حتى يومنا هذا، حيث نجد كثيرا من الأغاني والأناشيد التي وضعها أبو خليل القباني ما تزال تداول حتى يومنا الحالي، وبعضها تم تجديده على لسان مغنين وفنانين في القرن العشرين من أمثال صباح فخري. الدبكة والرقص الشعبي وحول تأثير الفن السوري البدوي المتمثل بالعزف على المزمار والربابة ورقصة الدبكة على المحيط العربي المجاور أوضح «عقيلي»: لقد انتشرت الموسيقى السورية، والفن الغنائي السوري في المحيط المجاور، وأبرزه النمط الموسيقي البدوي القائم على العزف على المزمار والربابة، وكذلك الرقص الشعبي، من خلال الدبكة وطريقتها وحركاتها التي تختلف تفاصيلها من منطقة إلى أخرى، فلدينا عروض السيف والترس أو ما يسمى بالعراضة، وكذلك رقص السماح، والرقص الشرقي بالنسبة للنساء المنتشر في المدن، الذي واكب الأنماط الحديثة من الرقص. مشيرًا إلى أن تاريخ الغناء السوري يمتلئ بأغانٍ خالدة أبدعها فنانون كبار سحروا العقول بأدائهم و إبداعاتهم، نذكر منهم: فريد الأطرش، أسمهان، نجيب السراج، رفيق شكري، مها الجابري، صباح فخري، صفوان بهلوان، ميادة الحناوي، وغيرهم، وقد شكلت إبداعاتهم الغنائية عنصراً أثيراً ملتصقاً بالموروث الشعبي، نذكر مثالاً : حوّل يا غنام حول بات الليلة هين قلي يا غنام بالله شايف حبي وين عاهدني المحبوب بباله يجي يلاقيني ما له يا غنام ما له ما بيوافيني يا زينة العربان بقسم بديني عَ غدير المي غادي غاد شفت الزين يطول عمرك يا غنام ردّت روحي ليّ قلي بالله بأيّ عين شفته بأيّ ميّ كان قلبي قبل وصولك مشوي بناره شيّ لا عم باكل و لا عم بشرب بقالي يومين من معبد «عشتار» بدير الزور تطورت موسيقى العالم كاشفًا النقاب على أن الحفريات الأثرية والاكتشافات العلمية تشير إلى أن لسورية دور مهم في التطور الموسيقي وانتشاره على الصعيد العالمي، فقد اكتشف في معبد عشتار في مملكة ماري والتي تقع جنوب مدينة دير الزور أقدم مشهد لفرقة موسيقية، ودلت الدراسات أن هذه المملكة قد عرفت الآلات الموسيقية والوترية والإيقاعية والهوائية، ومنها القيثارة التي تشكل (شعار أورنينا) عازفة معبد عشتار، وهي رمز للشعر الغنائي والموسيقا منذ أكثر من خمسة آلاف وخمسمئة سنة. عند الحكواتي وخيال الظل نشأ أبوالفنون وحول تاريخ ونشأة أبو الفنون «المسرح» في سورية قال المسرحي والروائي محمد الحفري: ربما يعود التاريخ المسرحي في سورية إلى زمن الحكاية كما هو الأمر في بلدان عربية أخرى، تلك المتجذرة فينا ونعتبر من أبنائها والتي بدأت من الجلسات الجماعية في البيوت وانتقلت فيما بعد إلى أماكن أكثر تجمعاً كالمقهى مثلاً وخاصة في فترة الحكم العثماني، أما بالنسبة للأطفال فقد قدم لهم ما عرف في تلك الفترة بصندوق الدنيا حيث كانوا يشاهدون من عينه التي تشبه عين الكاميرا مجموعة من الصور التي تترافق مع حكاية يسردها لهم من يعمل على ذلك الصندوق، وفي وقت لاحق من هذه الفترة ظهر (خيال الظل) ليكون منافساً ل(الحكواتي) وهو ما عرف في الشام بالثنائي «كركوز وعواظ». مؤكدًا على أن العام 1871 شهد بداية للمسرح السوري على يد رائد المسرح العربي أحمد أبو خليل القباني لذلك يعود إليه الفضل في قيام حركة مسرحية في سورية والوطن العربي. كما لن يغيب عن أذهاننا كم هي الصعوبات التي واجهته في تلك الحقبة الزمنية التي قدم فيها مسرحياته الأولى «الشيخ وضاح، وناكر الجميل، وعايدة، وأنيس الجليس» وغيرها، وفي هذه الأخيرة قد يكون القباني قد اقتفى وقلد مارون النقاش الذي أخذ مسرحيته أبو الحسن المغفل من ألف ليلة وليلة وقدمها في دار المؤلف ببيروت. استطاع قباني في نهاية المطاف أن يجذب ويستقطب الجماهير ليستبدلوا جلسات المقاهي والاستماع للحكواتي أو التفرج على خيال الظل بعروض مسرحية. وأضاف: ثم تشكلت المرحلة الثانية بعد مرحلة القباني في القرن العشرين فظهرت فرق مسرحية كفرقة نادي الاتحاد وفرقة جورج دخول وفرقة عبد اللطيف فتحي وأكبرها فرقة ناديا العريس التي بلغ عدد أفرادها 120 فناناً كانت تقدم عروضها على (مسرح الكاريون) بدمشق. ثم ظهر جيل جديد من الشباب قد يعد من أبناء المرحلة الثالثة يحمل عن المسرح مفاهيم وغايات جديدة تتسم بالواقعية في الأداء والإلقاء والديكور في أكثر المدن السورية، ولاقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً، مما أدى إلى انتشار التمثيل في المدارس الأهلية والرسمية والأجنبية. كما توسعت الجمعيات النسائية في نشاطها الفني فشملت التمثيل المسرحي، وكانت اللغة العربية الفصحى هي المعتمدة في جميع عروض المسرح الجاد. حتى جاء العام 1960م. الذي شهد تأسيس فرقة (المسرح القومي) التابع لوزارة الثقافة، هذه الفرقة ضمت معظم العاملين في الفرق الخاصة والأندية والجمعيات، ومنهم أهم نجوم الكوميديا مثل عبداللطيف فتحي وسعد الدين بقدونس ثم اندمجت «ندوة الفكر والفن» عام 1963م مع فرقة المسرح القومي الرسمية، فتشكلت بذلك نواة النهوض المسرحي الجديد الموجه ثقافيًا. وفي عام 1976م بدأ المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق باستقبال الدفعة الأولى من طلاب قسم التمثيل، كما تأسست مجلة الحياة المسرحية في وزارة الثقافة. وفي السبعينات رفد المسرح القومي بعدد مهم من المخرجين والممثلين والممثلات، إضافة إلى الفنيين، وقدم في مواسمه عدداً كبيراً من النصوص العالمية والعربية والسورية، بالفصحى، التي بقيت لغة المسرح القومي الوحيدة حتى الثمانينيات. المسرح السياسي والعمالي والشبيبي وأشار الحفري إلى أن مهرجان دمشق المسرحي المنطلق 1969م شكل بداية جديدة للمسرح السوري سواء على مستوى العروض ومناقشاتها الحارة مع الجمهور الذي ظهر أثناء الفترة الذهبية لمسرح الشوك لعمر حجو ودريد لحام ونهاد قلعي أو على مستوى الندوات الفكرية المرافقة، لاسيما منها ما طرح قضية «المسرح السياسي ومسرح التسييس» و»هوية المسرح العربي» والعلاقة مع الجمهور، وفي مطلع سبعينات القرن العشرين ظهرت حركة المسرح العمالي والجامعي والشبيبي التي تشكلت من الهواة المندفعين إلى العمل المسرحي للتعبير عن مواقفهم الفنية والفكرية التي جاءت في أحيان كثيرة أشد جرأة ومصداقية من عروض المسرح القومي، ولاسيما أن كثيراً من المخرجين المحترفين قد تعاونوا مع هؤلاء. تأثير الدراما السورية وعن مسيرة الدراما التي قدمها عدد من الفنانين السوريين وشدت إليها أعناق المتابعين والنقاد قال «الحفري» ما من شك أن تأثير الدراما السورية كان له بالغ الأثر وله جمهوره الواسع والمتابع لما يقدم، وهي لم تقتصر على المشاهد المحلي فقط، بل تعدته لتكون المشاهدة على نطاق عربي واسع، ولعل ما نقصده هنا في موضوع الدراما هو ما قدم على شاشات التلفزة. وقد نستثني منه ما قدم في السينما السورية التي بقيت محدودة النتاج قياساً إلى الأعمال التلفزيونية، ونذكر هنا بعضها على سبيل المثال فقط « الحدود، رسائل شفهية، مريم، الليل الطويل، سائق الشاحنة، عروس من دمشق». لقد بدأت مسيرة المسلسل التلفزيوني في سورية من أعمال تعتمد على الظرافة مثل «دليلة والزيبق، ملح وسكر، هجرة القلوب إلى القلوب، حمام الهنا» ولعل الأخير ذائع الصيت كان له أكبر التأثير حين حظي بمتابعة جعلت الدراما تسعى بخطوات حثيثة كي تتقدم أكثر حيث اعتمد على شخصيات عرفت بما جسدته من أدوار أكثر من أسمائها الحقيقية وأحياناً كانت تبقى كما في الحقيقة ومنها دريد لحام المعروف «بغوار الطوشة» ونهاد قلعي الشهير «بحسني البورزان» ورفيق سبيعي الذي يطلق عليه «أبو صياح» وياسين بقوش الذي يحمل اسمه العادي كما هو في التمثيل. وحين نذكر الدراما السورية لا بد من تفنيد الأنواع التي طرقتها وهي كثيرة منها التاريخي وهذا بدوره يقسم إلى مراحل أولها التاريخي الذي مازج الأسطورة ولو من بعيد «عنترة، أبو زيد الهلالي، الزير سالم، العبابيد، كليوبترا», وتأتي بعد ذلك الأعمال التي تحدثت عن ظهور الإسلام وما بعدها ومنها «قمر بني هاشم، خالد بن الوليد، صلاح الدين، هولاكو، صقر قريش، فارس بني مروان، الظاهر بيبرس» والأمثلة تكاد لا تحصى في هذا المجال. أما الأعمال التاريخية التي حاكت التاريخ الحديث _ ونقصد_ فترة وجود العثماني وحتى وقت قريب فهي أيضاً كثيرة «إخوة التراب، عز الدين القسام، التغريبة، أبو كامل» وغيرها ونكاد نجزم أن من مهد لهذه الدراما التاريخية هي أعمال الفنتازيا التي عملت على التاريخي المتخيل ومثال على ذلك «الجوارح، الكواسر» تلك الأعمال التي سطع نجمها في يوم ما. باب الحارة ضيعة ضايعة وأضاف: كما قدمت الدراما السورية نوعًا ثانيًا يعتمد على البيئة المحلية التي توسعت في بعض الأحيان لتمتد إلى بيئات أخرى بدءاً من «أيام شامية» الذي تقع أحداثه في دمشق، و»حمام القيشاني وخان الحرير» الحلبيين لتشمل في ذلك أغلب المناطق السورية كما نجد في مسلسل «ضيعة ضايعة» تمثيلاً للبيئة الساحلية في سورية, بينما جسد مسلسل «الخربة» البيئة في جبل العرب. ولعل أشهر ما نذكره الآن هو «باب الحارة» الذي مازال مستمراً في التوالد والحضور حتى وقتنا الحالي والذي توازت فيه العديد من الخطوط السياسية والتاريخية والبيئية بما فيها من عادات وتقاليد ولهجات سادت في حينها. «مرايا» العظمة «يوميات مدير عام» أما النوع أو الخط الثالث الذي سارت عليه الدراما السورية وأثار اهتمام الناس وجعلهم يقبلون على متابعته بشغف أكبر فهو خط الكوميديا، ويعتبر مسلسل «مرايا» لياسر العظمة بتنوع حلقاته واختلافها هو من المؤسسين لهذا الدرب حيث برزت من بعده أعمال كثيرة مثل «أحلام أبو الهنا، جميل وهناء، يوميات مدير عام». هذه الأعمال وأعمال أخرى لعبت دورًا في تأثيرها على غيرها وما أحدثته في نفوس متابعيها على مدى سنوات طويلة هو جلي وواضح في تقليد الصغار لحركات وتصرفات أبطال هذه الأعمال، كما شمل تأثيرها بعض الكبار في الملبس والمظهر الخارجي ومنطوق تفكير الشخصية. الفن تعبير وشهادة عن أيامه وعن التجربة التشكيلية السورية واتجاهاتها التي عمت وأسهمت في التعبير التشخيصي كشف المعماري ومهندس الديكور الفنان التشكيلي والقاص السوري رضوان الجبر أن التربة الخصبة التي وجد الفنانون ريشهم وألوانهم وأدوات نحتهم ومعاملهم عليها تربة خصبة ازدهرت فيها المدرسة الواقعية التي استقت ركائزها من التراث والفلكلور المحلي والأساطير العربية من خلال ابتعاث الحكايات الفلكلورية العربية القديمة مانحة بذلك جماليات غير محسوبة للحياة اليومية والبيئة المحلية. وأكد على أن الفنان التشكيلي السوري سعى ومنذ البدايات إلى التعبير و محاكاة الواقع بأساليب وأشكال مثالية تسجيلية وحرفية متباينة من أجل الربط بين الفن والواقع بكل تفاصيله ودقائقه في محاولة للوصول إلى عمل فني يتطابق مع الحياة السورية بكل عناصرها ومظاهرها الاجتماعية والتراثية. ومع تأسيس كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1960م كانت بدايات الفن التشكيلي بالنسبة للفنانين من الجيل الثاني الرواد الذين هم أساتذتنا علمونا وتخرجت أجيال على أيديهم أمثال فاتح المدرس محمود حماد نصير شورى ونذير نبعة, ولؤي كيالي وأدهم ونعيم إسماعيل. وبين الجبر أن الأعمال الفنية تركزت على الموضوعات التاريخية القومية لتخلد المعارك والأمجاد و البطولات العربية وكذلك تركزت على رسم الأحياء السكنية في المدن القديمة السورية, والمناظر الطبيعية و الطبيعة الصامتة إلى جانب رسم الوجوه البشرية أو ما يسمى بالبورتريه. وضع طلائعها عدد من الفنانين راسمين اللبنات الأولى للفن التشكيلي السوري مثل: الفنان توفيق طارق, محمود جلال, فتحي محمد… وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم وإيراد تجاربهم. ثم دخلت الحركة الفنية في سورية في المرحلة المعاصرة، بعد أن مرت بتجارب فنية مختلفة، وبحوث تشكيلية متعددة، حيث استقرت على الصيغ الفنية الملائمة لها، والتي أصبحت تمثل الوجه المعاصر لهذه الحركة، والذي أوصل كل فنان إلى أن يصبح مدرسة فنية خاصة به. وأذكر من فناني هذه المرحلة: عبد القادر أرناؤوط الذي صمم شعار معرض دمشق الدولي في ساحة الأمويين. والفنان التشكيلي عبد الله السيد، أسعد عرابي، عاصم الباشا وآخرين. إننا نلحظ خلال اتجاهات البحث عن هوية للفن العربي المعاصر، سعي الفنانين السوريين نحو تأصيل شخصية عربية للفن التشكيلي الوطني، وذلك بالبحث عن آباء تشكيليين يرثهم الفنانون اليوم دون أن يكون عليهم لومة لائم؛ مقاربين بين انقطاع البعض عن تراثه البصري الممتد في كل شيء من الطبيعة والأشجار وطرق التعبير الفردية؛ إلى أشكال الوجوه وأزياء البشر والعمارة الطينية على ضفاف الفرات والعاصي ودجلة، إضافة إلى ما أنتجه الإنسان السوري من حضارات متعاقبة كان لها أرشيفها اللوني والفني على امتداد آلاف السنين.