اختتم الرئيس الصيني جيانغ زيمين زيارته لفرنسا التي أسفرت عن شراء الصين طائرات من طراز "ايرباص" وتعهّدها المضي في إقرار معاهدة حظر التجارب النووية. واعتقل أكثر من 150 شخصاً شاركوا في تظاهرات طالبت بالمزيد من الحرية والديموقراطية في الصين واتهموا الرئيس الفرنسي بتغليب المصالح الاقتصادية على هذين المبدأين. وكان ملفتاً ان الرئيس الصيني لم يفهم بعد لماذا تواكب جولاته في الخارج تظاهرات؟ غادر الرئيس الصيني جيانغ زيمين باريس في ختام زيارة لفرنسا بدأت مساء الجمعة الماضي وحلّ خلالها ضيفا على شيراك وزوجته برناديت في قصرهما الريفي في ساران شمال فرنسا. وتحوّلت الزيارة رسمية ابتداء من مساء الأحد الماضي. وحكم هذه الزيارة هاجس مزدوج، تمثّل من جهة، بحرص السلطات الفرنسية على إحاطة ضيفها الصيني بأرفع مظاهر الحفاوة والتكريم ومن جهة أخرى، بالحؤول دون ان تعكّر صفوها التظاهرات التي تخللتها من أجل الحرية وحقوق الانسان في الصين. وأعدّ لجيانغ استقبال رسمي مميّز في قصر "لي زانفاليد" حيث حطّت به المروحية التي نقلته من ساران الى باريس. وثم توجّه الى قصر مارينيي للضيافة بمواكبة مجموعة من الخيّالة التابعة للحرس الجمهوري الفرنسي. في الوقت ذاته، إتخذّت السلطات الأمنية الفرنسية إجراءات استثنائية لعزل التظاهرات المناهضة للزيارة التي شارك فيها معارضون صينيون والمنظمات الفرنسية الناشطة في مجال حقوق الانسان، إضافة الى عدد من السياسيين بينهم الوزيران السابقان الان مادلان يميني وجاك لانغ اشتراكي. وأدّت هذه التظاهرات التي رفعت خلالها شعارات تدعو الى تحرير منطقة التيبت من أي وجود عسكري صيني والإفراج عن المعتقلين السياسيين في الصين، الى اعتقال 135 شخصاً أمس الأوّل، أطلق سراحهم بعد التدقيق في هوياتهم. وأسفرت تظاهرات مماثلة شهدتها باريس يوم أمس عن اعتقال حوالى 20 شخصاًا من بينهم، رئيس منظمة "صحافيون بلا حدود" الاوروبية التي تتخّذ من باريس مقرّا لها، روبير مينار وعدد من المسؤولين في المنظمة. وركّزت التظاهرات المختلفة على التنديد ببوادر التكريم التي أحاط شيراك بها الرئيس الصيني، الذي وصفته بأنه "ديكتاتور"، لا يأبه لمبادئ الحرية والديموقراطية التي تقول فرنسا انها تتمسّك بها. وعلى رغم التشدّد الذي اعتمدته السلطات الفرنسية حيال التظاهرات، فإن مسألة الحريات عموما وحقوق الانسان اندرجت في صلب المحادثات التي دارت بين شيراك وجيانغ. وصرّح الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده أمس مع نظيره الصيني بأن "الصين مهيّأة أكثر فأكثر للعب دور قوة عظمى في عالم الغد" وأن "القوة العظمى تكون حكماً ديموقراطياً". وأضاف شيراك، الذي تقول أوساطه انه يعتقد أنه بالحوار والمرونة يمكن دفع الأمور في الصين نحو التقدّم: "عندما تكون هناك أمور جديّة ينبغي مناقشتها، تكون هناك أيضا ضرورة لتأمين الأجواء التي تسمح بمثل هذه المناقشة". التظاهرات لماذا؟ أما جيانغ فصرّح من جهته، بأنه غالبا ما يواجه خلال زياراته الى الخارج تظاهرات تدعو لاحترام حقوق الانسان في الصين ولاستقلال التيبت وأنه لا يتفهم تماما مشاغل ومخاوف هؤلاء المتظاهرين. ووصف الإنتقادات الأخيرة الصادرة عن الاتحاد الاوروبي، حول حقوق الانسان في الصين بأنها تدخّل في الشؤون الداخلية، وأكدّ أن حكومته "أولت باستمرار أهمية كبيرة لحقوق الانسان". ورأى أن "الديموقراطية ليست مفهوما مطلقا"، مشيراً إلى أن الشعب الصيني مؤلف من 2،1 بليون شخص وأن السؤال الرئيس المطروح على حكومته هو "كيف نكسو ونغذّي أفراد هذا الشعب"؟ ورغم إصراره على التفاوت بين نظرته للديموقراطية والنظرة الاوروبية اليها، فإن جيانغ أقدم على بوادر حسن نيّة عدة حيال فرنسا، كان أبرزها الاعلان عن شراء الصين ل28 طائرة "ايرباص" بقيمة 15 بليون فرنك فرنسي. وتأكيد الرئيس الصيني بلاده في المصادقة على معاهدة حظر التجارب النووية. وضم صوته الى صوت شيراك للتنديد بالموقف الأميركي الرافض لهذه المعاهدة.