كان الرسّام يرسم قرب النافذة. شاهدَه الطائرُ الواقف على غصن الشجرة، فدنا منه وقال: - أرسمني. أخذ الرسّام ورقة بيضاء، ورسم الطائر في وسط الصفحة. نظر الطائرُ الى صورته وقال: - أنا لا أقفُ على شيء. أرسم لي غصناً أقف عليه. رسم الرسّام الطائر واقفاً على الغصن. نظر الطائر الى الصورة وقال: - أين الشجرة؟! لا يوجد غصن من دون شجرة. رسم الرسّام شجرة خضراء مُزْهرة. نظر الطائر الى الشجرة وقال: - شجرة واحدة لا تكفي. رسم الرسّام مجموعة أشجار من مختلف الأنواع. نظر الطائر الى الأشجار وقال: - أين الأرض؟ فالأشجار تنبتُ في الأرض! أخذ الرسام ريشته، ورسم أرضاً تنبتُ فيها الأشجار .. فهتفَ الطائر: - أرضٌ من دون أزهار وأعشاب؟! رسم الرسّام أزهاراً وأعشاباً تغطي الأرض. قال الطائر: - أزهارٌ وأعشابٌ من دون ماء؟! أين الماء؟ غمس الرسّام ريشته في اللون الأزرق، ورسم بحيرة في مكان قريب من الأشجار. نظر الطائر الى البحيرة وقال: - بحيرة من دون بطّة تسبحُ فيها؟! أين البطّة؟ رسم الرسّام ثلاث بطّاتٍ تسبحُ في البحيرة. قال الطائر: - ألا يوجد شيء وراء البحيرة؟ رسم الرسّام حقولاً وتلالاً وجبالاً بعيدة وراء البحيرة. قال الطائر: - نسيتَ الشمس. فالشمسُ تطلعُ عادةً من وراء الجبال. رسم الرسّام شمساً طالعة من وراء الجبال. كان الرسّامُ قد تعب كثيراً، فوضع ريشته على الطاولة، وقال للطائر: - هل بقي شيء لم أرسمه؟ قال الطائر: - نعم. نعم. بقي شيءٌ مهمّ. قال الرسّام: - وما هذا الشيء؟ قال الطائر: - نسيت .. هلاّ ذكّرتني بالشيء المهم الذي نيستُه؟! قال الرسّام: - حسناً .. سأذكّرك بما نسيت. أخذ الرسّام ريشته، ورسم صياداً يصوِّب بندقيته نحو الطائر .. عندما شاهد الطائر الصيّاد، صاحَ من الذُّعر، وفرَّ مبتعداً وراء النافذة. إبريق الشاي النَّوْمُ في المكانِ يطيرُ كالدُّخانِ وراحا من أفاقا يُمَسِّحُ الأحداقا تهزأُ بالسَّريرِ مائدةُ الفُطورِ في وَسْطها إبريقُ مُزَخْرَفٌ أنيقُ يلاحظُ النهارا ويزفرُ البُخارا!