بعد استعراض ذكريات مؤلمة عن يوميات حرب 1967 يصل علي سالم "افكار" في 14/10 الى تشخيص سليم لأحد الاسباب التي أدت الى الهزيمة: "داء الكذب القومي"، حيث اننا "لم نكن منشغلين بالقوة بل بادعاء القوة"، وهو يحكي ذكريات الهزيمة "من اجل ان يشعر الشباب بقيمة الحرية والسلام، غير ان علاقة الهزيمة بالحرية والسلام تبقى غامضة من دون تحديد دقيق للمفهومين. فاذا كان المقصود حرية انتقائية مطلقة لطرف من دون اطراف اخرى، او المقصود سلام القبور الذي تتحول فيه المعارضة الى تهمة بالتحريض والازدراء، فالطبيعي ان تتكرر الهزيمة. ان الهزائم المتتالية التي لحقت بنا في معارك السلام بدءاً بأوسلو وانتهاء بشرم الشيخ، هي دليل قاطع الى استفحال "داء الكذب القومي"، اذ ان اهم ما يميز 1967 عن 1999 يكمن في الفرق بين غرور واندفاع من مارسوا ادعاء القوة من دون الانشغال بأسبابها، وبين يأس وانهزامية من يمارسون اليوم ادعاء السلام من دون الانشغال بشروطه. ويخطىء علي سالم عندما يعتقد ان انتقاد المتسببين في هزيمة 1967 العسكرية يمكن ان ينجح في تبرير هزائم التسعينات السلمية او في الترويج للاستسلام لها، خصوصا ان تبرير هذه الهزائم هو ما تمارسه - من بين آخرين -0 "جمعية السلام" المصرية التي يعد الكاتب احد ابرز اعضائها. مع تجاهل الشروط الجوهرية اللازم توافرها لتحقيق سلام يحفظ لنا الكرامة والحقوق الهيبة والفعالية في الخارج واحترام حرية الانسان وحقوقه في الداخل، فإن الدعوة للسلام تصبح دعوة للخضوع للأمر الواقع والخضوع لما يملى علينا. واذا كان العالم العربي اليوم مريضاً بحالة غيبوبة مزمنة، فإن من ينادي بالخضوع يتطرف يأساً من الشفاء، كما يتطرف تهوراً من ينادي بمواجهة عسكرية مع اسرائيل. الدعوة الى سلام اسرائيلي لا تقل في خطورتها عن الدعوة الى ارتكاب "اليوثينيزيا" ظاهرة القتل المدفوع بالشفقة اي تقديم دواء قاتل للمريض الميؤوس من شفائه. واليوثينيزيا محرمة شرعاً في حال الفرد، فما بالنا عندما تكون الضحية أمة بأسرها يراد لها بعد اعتصار ما تبقى من قلبها في فلسطين والقدس، مسخ هويتها وتصفية تراثها والحاقها قسراً بحضارة الغرب. ان سلام الاذعان الاسرائيلي، الذي يصوره داء الكذب والتدليس القومي على انه "سلام شجعان عادل"، هو الدواء القاتل الذي يراد لنا ان نتجرعه بعد ان ننتهي من تدمير ذاتي لأجهزة المناعة والمقاومة المتبقية في جسدنا المنهك. واليأس مهما بلغت حجته لا يمكن ان يبرر هذه الجريمة، لأن الإفاقة من الغيبوبة المزمنة ممكنة، وهي تحدث طبياً فجأة وبعد سنوات طويلة ومن دون سبب واضح. المطلوب إذن ان نلتزم الصراحة والوضوح مع الذات، كما يفعل كتاب اسرائيليون من امثال أميرة هاس "ها آرتس" في 29/9 التي كتبت عن "جماعات الحوار الاسرائيلي العربي ومراكز السلام التي تتدفق عليها تبرعات ضخمة من دول الغرب... كل هذه النشاطات تجري على خلفية الوهم بتساوي كفتي الطرفين. لكن ما يجري على ارض الواقع ضد الفلسطينيين من هدم للمنازل وتوسيع للاستيطان يؤكد ان الحديث عن سلام ما زال سابقاً لأوانه ما دامت مبادىء التفرقة والاضطهاد متحكمة في العقلية الاسرائيلية، لقد تناولت هاس شرط السلام الذي ينبغي على اسرائيل ان تنشغل به، فمتى ينشغل "السلاميون" العرب بمتطلبات السلام في الجانب العربي متسلحين بالصبر بدلاً من اليأس؟، ان هذه المتطلبات الاولويات التي يتجاهلها علي سالم هي التي من دونها يستحيل ان نجد لنا، في عالم لا يحترم إلا القوة، "مكاناً من اي نوع تحت الشمس". * كاتب مصري.