هل هناك خطوط حمر في العلاقة بين الدولة المصرية وجماعة «الإخوان المسلمين»؟ واقع الأمور يُشير إلى أن «الإخوان» قد ينظمون التظاهرات أو يشاركون في الاحتجاجات أو يخوضون الانتخابات التي تستدعي الاتصال بالجماهير وتنظيم المسيرات وطبع وتوزيع أوراق الدعاية أو تعليق اللافتات، كما أن على رموز الجماعة المحظورة الظهور في وسائل الإعلام الحكومية، ولديهم فرص كبيرة في أن يطلوا على الناس عبر برامج الفضائيات وصفحات الصحف الحزبية والخاصة وحتى إذا توفي أحدهم فإن مرشد «الإخوان» يمكن أن ينعيه في صحيفة «الأهرام» (القومية) لكن من دون أن يشير في النعي إلى أنه مرشد الجماعة، وأخيراً أجرى «الإخوان» انتخابات علنية لاختيار أعضاء جدد لمكتب الإرشاد ثم مرشد للجماعة وعقد بعدها المرشد الجديد الدكتور محمد بديع مؤتمراً صحافياً حضره عشرات من مراسلي الصحف ووسائل الإعلام المحلية والدولية. وعلى ذلك فإن جماعة «الإخوان المسلمين»، «المحظورة» بالنسبة الى الدولة، تمارس نشاطاً سياسياً علنياً واسعاً يفوق بدرجات كبيرة النشاط الذي تمارسه الأحزاب السياسية «غير المحظورة». أما الخطوط الحمر المفروضة على الجماعة فهي نفسها التي تلتزم الأحزاب السياسية بعدم تخطيها. وفي المقابل فإن الدولة التي لا تتوقف وسائل إعلامها عن وصف جماعة «الإخوان» باعتبارها «محظورة» تدرك حجم وقوة الجماعة ومدى تغلغلها في قطاعات مختلفة وانتشارها في محافظات مصر من أسوان وحتى مرسى مطروح، واعتمدت الحكومة منذ العام 1995 أسلوباً يقوم على توجيه ضربات إجهاضية للجماعة كل فترة مستندة إلى أنها «جماعة محظورة» فترصد الاجتماعات واللقاءات والمعسكرات وتلقي القبض على المشاركين فيها وتحيلهم على النيابة التي تطلق بعضهم أحياناً وتحيل بعضهم في أحيان أخرى الى القضاء الذي قد يبرئهم أو يأمر بسجنهم لمدد متفاوتة. هكذا تبدو كل الخطوط خضراء بالنسبة الى «الإخوان» والدولة في آن معاً، لكن يبقى السؤال: لماذا تقوم السلطات دائماً بالقبض على رموز الجماعة مهما كانت مستوياتهم التنظيمية من دون مرشدها؟ ليس للسؤال أي علاقة بتحريض الحكومة المصرية ضد المسؤول الأول في جماعة «الإخوان المسلمين» لكن المتابعين لنشاط «الإخوان» منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات يدركون أن آخر مرشد ل «الإخوان» عرف طريق السجن كان الراحل عمر التلمساني وبعدها ظلت أجهزة الأمن تطارد رموز الجماعة في كل المحافظات ويأمر القضاء بسجنهم، وبقي السادة محمد حامد أبو النصر ثم مصطفى مشهور ثم مأمون الهضيبي ثم مهدي عاكف وأخيراً محمد بديع طلقاء لا تطالهم الحملات الأمنية. صحيح أن في تاريخ كل منهم سنوات قضوها خلف القضبان لكن ما أن جلسوا على مقعد المرشد واحداً تلو الآخر إلا وانقطعت العلاقة بينهم وبين الزنازين. هل يمثل المرشد خطاً أحمر بالنسبة الى الحكومة؟ يبدو الأمر كذلك، فصحيح أن الجماعة بالنسبة الى الحكومة «محظورة» لكن ذلك لا ينفي وجودها، ويبدو أن الحكومة تدرك أن المرشد يحتل مكانة بين عناصر الجماعة لكنه لا يحركها، وقد يكون المرشد واجهة ل «الإخوان» لكنه أيضاً قد يسهم في ضبط إيقاع الجماعة ويمنع انفلات أعضائها. والمؤكد أن السلطات لا تريد انفلاتاً إخوانياً مهما كان نوعه أو حجمه وربما لذلك ترد الحكومة كلما رأت أن المرشد «زودها» بالقبض على نوابه أو كبار مساعديه أو الرموز المهمة في الجماعة. واللافت أن «الإخوان» كلما شاركوا في انتخابات نقابة مثلاً يركزون المنافسة على مقاعد مجلس النقابة وليس منصب النقيب، وهم في الانتخابات البرلمانية يعملون على زيادة عدد مقاعدهم النيابية عن التي قبلها، وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2005 اتخذوا موقفاً مائعاً بأن تركوا لأعضاء الجماعة حرية المشاركة في عملية الاقتراع أو الاختيار بين المرشحين، وعلى الأرجح فإنهم لن يسعوا في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى مساندة مرشح بعينه ضد مرشح الحزب الوطني الحاكم لتبقى الخطوط الحمر والخضر معروفة وثابتة بين الطرفين.