استبعد المراقبون السياسيون في اسلام آباد حصول أي تغيير كبير في السياسة الخارجية لباكستان، في أعقاب سيطرة الجيش على الحكم . لكنهم جزموا بأن السياسة الداخلية الباكستانية ستطرأ عليها تغييرات لن تكون بسيطة. وتملي التغييرات داخلياً ضرورة ان يواصل المواطن العادي تأييده للجيش الذي يعتبره المؤسسة الوطنية الوحيدة التي لم يطالها الفساد والتسييس. لذا فإن الجيش سيبذل قصارى جهده من أجل اشعار المواطن بحجم التغيير والفارق بين الحكم المدني والعسكري. ولاحظ العسكريون ان مئات المواطنين الذين أثقلت الضرائب وزيادة الأسعار في المواد الأساسية كاهلهم ، اندفعوا إلى الشوارع مرحبين بالتغيير وهم يهتفون "يعيش الجيش". وقال أحد المحللين السياسيين إن الجيش يرى أنه تقليدياً، المسؤول الاول عن معالجة أي تردٍ في البلاد. والدليل على ذلك ان قليلا من المواطنين يحملون مسؤولية انفصال بنغلاديش الى رئيس الوزراء السابق ذوالفقار علي بوتو، بل تحمل غالبيتهم الجيش المسؤولية، على أساس أنهم جميعا ينظرون إليه كحافظ للوحدة الوطنية ويرون ان الأحزاب السياسية حريصة على مصلحتها فحسب. والأحزاب الكبيرة وفي مقدمها حزب الشعب الباكستاني بزعامة بينظير بوتو والرابطة الإسلامية التي يتزعمها نواز شريف، شاخت وغدت ديناصورات وفشلت طوال فترات حكمها في الإيفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها في خدمة الشعب . ولا يزال الشعب الباكستاني يتذكر كيف أن الروبية الباكستانية كانت قوية جداً أمام الدولار الأميركي طوال 11 عاماً من حكم الجنرال الراحل ضياء الحق، بينما انهارت تدريجاً منذ عام. وتضاعفت المديونية الباكستانية إلى حد لا يمكن أن تتحمله البلاد رغم سياسات الخصخصة التي لجأت إليها الحكومة أملاً في تخفيف الأعباء عنها. ولم تؤيد الأحزاب السياسية الإنقلاب رغم تأييدها التغيير، على أساس أنها ستفقد الكثير من شعبيتها، لذا فهي اكتفت بتحميل نواز شريف وحده مسؤولية التردي الإقتصادي والسياسي. وتجد زعيمة حزب الشعب الباكستاني صعوبة في تأييد الانقلابيين، رغم فرحها بالقضاء على خصمها الذي جرها إلى المحاكم وسجن زوجها، ذلك انها هاجمت العسكر دوماً بسبب إعدامهم والدها. أما على صعيد السياسة الخارجية فيرى البعض أن الصيغة التي سلكها شريف خلال الايام الأخيرة من حكمه للإبتعاد عن "طالبان" ومكافحة ما يسميه الاميركيون ب"الارهاب"، لم تُرح الجيش، خصوصا وأن تعيين الجنرال ضياء الدين مديراً للاستخبارات العسكرية المعنية بالملف الأفغاني، تمّ من دون استشارة قائد الجيش الجنرال برويز مشرف. ومعلوم ان ضياء الدين قريب من نواز شريف الذي أوفده إلى واشنطن ليحاضر عن "التطرف الإسلامي" في المنطقة ثم أرسله إلى "طالبان" من أجل أن يطلب إغلاق أماكن تدريب العناصر الباكستانية المتشددة. والغريب أن المعارضة الأفغانية التي يتزعمها الجنرال أحمد شاه مسعود رأت في التغيير مصلحة للشعب الأفغاني، لكن ليس لمصلحة الشعب الباكستاني. ومعروف عن المعارضة الأفغانية اتهامها الجيش الباكستاني بدعم "طالبان" ومساندتها. أما على صعيد "العدوة التقليدية" الهند فلا يعتقد المراقبون أن شيئاً ذا أهمية سيتغير ما دام الجيش الباكستاني هو الذي يتحكم بهذا الملف إما مباشرة او من وراء الستار. وكان مشرف حذر من أن يتم استغلال الوضع الداخلي، متوعداً بالرد على كل من يقوم باعتداء على باكستان، في إشارة واضحة إلى الهند.