يهاب الناس في انحاء العالم الجميع سائقي التاكسي الذين يسودون بحرية في الشوارع، الا ان الأمر مختلف في تشيلي حيث يواجه سائقو التاكسي غريماً كبيراً لا يقدرون عليه ويكتفون بتجنب الاحتكاك به اثناء عملهم. بيدرو سائق التاكسي الخمسيني، قال مشيراً الى سائق الباص المنتظر عند اشارة المرور: "انهم برابرة، نسميهم هنا حيوانات وفايكينغ". الكناية هناك تخص سلوك سائقي حافلات النقل العام. وهؤلاء لا يلقون بالاً اثناء انطلاقهم الى مرور المشاة او السيارات التي تعترض طريقهم. وغالباً ما يفاجأ المرء اثناء تجواله في الشوارع او لدى انتظاره سيارة تاكسي عند الرصيف بحافلة نقل عام تسابق سيارات الأجرة لتصل اولاً الى "الزبون" المحتمل. ولا يجد سائق التاكسي في هذه الحال، إلا أن يتراجع خائباً وقد كتم غيظه لضياع الفرصة. وتشكل الباصات الصفراء اللون معلماً بارزاً من معالم سانتياغو والمدن التشيلية التي يقطنها 80 في المئة من السكان. ويقول سائقو التاكسي: "في شوارعنا هناك فقط الحافلات الصفراء اللون… وبعض السيارات الاخرى التي لا يزال بوسعها ان تتجول إلى جانبها". ويبلغ طول تشيلي 4200 كيلومتر. ويعيش ثلاثة ارباع السكان في ثلاث محافظات في الوسط من اصل 13 محافظة تنقسم اليها البلاد التي تفوق مساحتها الشاسعة 850 ألف كيلومتر مربع. وبسبب ضعف شبكة السكة الحديد ومحدوديتها، فإن السلطات المحلية اضطرت الى الاعتماد على مئات شركات النقل العام الخاصة التي تؤمن حافلاتها تغطية خطوط النقل على امتداد شبكة الطرقات البرية التي تبلغ 75 ألف كيلومتر. ومنح هذا الوضع شركات الباصات المدنية والريفية ثقلاً كبيراً في الحياة الاقتصادية للبلاد. وكان من المنتظر اعلان اضراب عام الاثنين الماضي لعاملي شركات النقل العام الا ان الحكومة سارعت الى تقديم تنازلات لنقاباتهم خشية حدوث شلل يعم تشيلي ويحبس اغلب السكان البالغ عددهم 15 مليوناً في منازلهم. وبررت النقابات مطالبها بأنها في حاجة الى بعض الدعم الحكومي في وقت تقدم اسعاراً رخيصة للغاية للتنقل. وفي بوسع الزائر مثلاً ان ينتقل في سانتياغو من طرف الى آخر في المدينة مقابل نصف دولار فقط تتيح له اجتياز 40 كيلومتراً على الاقل باتجاه مقصده. وهناك باصات "بولمان" خاصة درجة اولى تسع 24 راكباً وتقدم الأطعمة للمسافرين وتتيح لهم النوم اثناء تنقلهم. وهذه يفضلها المسافرون الى الوجهات البعيدة التي قد تقتضي منهم السفر احياناً لمدة ثلاثة ايام داخل البلاد. اما المسافرون لوجهات قريبة لا تتجاوز 13 ساعة فيعتمدون غالباً الدرجات الثلاث الأرخص كلفة والأكثر إزدحاماً. وتعتبر الباصات الكثيفة العدد احد اكبر مصادر التلوث في سانتياغو التي يقطنها خمسة ملايين نسمة. وتشبه سانتياغو الى حد بعيد لوس انجليس من ناحية وقوعها في حوض يتوسط سلسلتين جبليتين. وأدت كثرة الباصات في الماضي الى تلوث مستمر انعكس في شكل سحابات من السخام تعلو المدينة. وجرى خلال السنوات الماضية تغيير الباصات الصفراء وحظر استخدام الفيول وفرض البنزين الخالي من الرصاص كوقود الزامي. إلا أن هذا الأمر لم يحل مشكلة الموازنة بين حاجة السكان الى وسيلة رخيصة للنقل ودواعي حماية البيئة.