اعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس تشكيل لجنة ملكية لشؤون الصحراء لا يبدو قراراً محلياً لرصد تطورات القضية، ولكنه يتجاوز ذلك نحو اعادة الملف الى نقطة الصفر. ففي السنوات الاولى لاندلاع نزاع الصحراء اختار الملك الراحل الحسن الثاني ان يضع الى جانبه زعماء الاحزاب السياسية في المعارضة والموالاة، وشخصيات مدنية وعسكرية في اطار مجلس أعلى للدفاع. والفارق بين الخطتين ان الاولى تزامنت مع التصعيد العسكري في مواجهات بين المغرب وقوات بوليساريو، في حين ان الثانية تخص المراحل النهائية للعد العكسي لاجراء الاستفتاء. والارجح ان الاعلان عن اشراك عسكريين ومدنيين وشخصيات صحراوية في ادارة الملف يعتبر رسالة موجهة لأكثر من طرف. فمن جهة هناك الاممالمتحدة التي تبدو اكثر اصراراً على انهاء الملف الذي استمر طويلاً من دون احراز التقدم الكافي لتنفيذ الخطة الدولية، وسبق لها ان هددت مرات عدة بالانسحاب في حال الابقاء على الخلافات التي تعوّق الذهاب نحو الاستفتاء، ومن جهة هناك بوليساريو والجزائر وموريتانيا الذين تختلف حساباتهم والمغرب حيال الهدف من الاستفتاء. واخيراً هناك الاطراف الدولية المعنية بتثبيت اسس الاستقرار في منطقة الشمال الافريقي الذي يظل بعيدا في حال عدم تسوية قضية الصحراء. في الرهان على احلال الوفاق بين المغرب والجزائر باعتبار المنفذ نحو استقرار المنطقة، كان ثمة اعتقاد بأنه يقرّب المسافة نحو استفتاء الصحراء، اقلّه لجهة حدوث تفاهم محوري لدعم جهود الاممالمتحدة. فقد بدت الجزائر التي كانت ترغب سابقاً في ارجاء الاستفتاء الى حين ترتيب اوضاعها الداخلية اكثر اهتماماً بفصل الملف الصحراوي عن العلاقات الثنائية، واعلن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مرات عدة انه لا توجد مشاكل بين بلاده والمغرب. في مقابل ذلك خطا المغرب نحو الانفتاح على الجزائر من خلال ارسال مبعوثين الى العاصمة الجزائر، لكن اي مسؤول جزائري لم يزر المغرب، عدا مشاركة الرئيس بوتفليقة في تشييع جنازة الراحل الحسن الثاني، وجاءت الاتهامات بايواء الرباط نشطاء اسلاميين لتلقي ظلالاً قاتمة على علاقات البلدين. ما يعني ان ذلك الرهان يواجه عقبات حقيقية، وبالتالي يصبح الاعلان عن اعادة قضية الصحراء الى واجهة الانشغالات المغربية مؤشراً لرصد التأثيرات السلبية لانتكاس الوفاق المغربي الجزائري، ذلك انه من دون الانفراج المشجع في علاقات البلدين يصعب احتواء الخلافات التي تحول دون اجراء الاستفتاء، وبمقدار ما تبدو الرباط متمسكة بمضمون الخطة الدولية على صعيد اشراك المتحدرين من اصول صحراوية في الاستشارة الشعبية، بمقدار ما تبدو الجزائر مؤثرة في سياق الترتيبات التي تطاول اعادة اللاجئين الصحراويين المقيمين في اراضي تقع تحت نفوذها. وبالتالي فإن مساعي الاممالمتحدة لا تبدو وحدها كافية للمضي قدماً في التسوية السلمية. الاعلان عن تشكيل لجنة ملكية يعني في الدرجة الاولى ربط قضية الصحراء بالثوابت. ومفاد الرسالة انه لا يوجد في المغرب متشددون او معتدلون حيال هذه القضية، فالذهاب الى الاستفتاء قد يقبل الإرجاء لكنه لا يقبل اي تنازل. وسيكون مفيداً للمغرب وبوليساريو والجزائر ايضاً ان يدركوا ان استقرار منطقة الشمال الافريقي لن يكون فيه منتصر او منهزم ، لان تغليب الحكمة افضل في اي حال من العودة الى الوراء.