برز أمس اعتراف أميركي ضمني باستخدام اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة المكلفة ازالة الأسلحة العراقية المحظورة اونسكوم لغايات تجسسية على النظام في بغداد، ما يخرج عن نطاق التعاون الاستخباراتي المقبول بين الدول واللجنة الخاصة، لتحقيق أهداف نزع السلاح. ولزم أعضاء مجلس الأمن الحذر في التعاطي مع التطور الذي يضرب الصدقية الأميركية ويزيد من تقويض صدقية اللجنة الخاصة والأممالمتحدة. وساد أجواء الأمانة العامة للأمم المتحدة مزيج من الدفاعية والهجومية أمام حملات اعلامية متضاربة استهدف بعضها الأمين العام كوفي أنان، وبعضها الآخر الرئيس التنفيذي للجنة "أونسكوم" ريتشارد بتلر. واعترف مسؤولون أميركيون، اشترطوا عدم ذكر اسمائهم، في تصريحات صحافية عدة بأن الولاياتالمتحدة استخدمت عملية الأممالمتحدة في العراق للتجسس عبر عملاء لها عملوا تحت غطاء لجنة "أونسكوم"، وعبر زرع معدات تنصت في برامج الرقابة. وقامت الأجهزة الأميركية، حسب قول مسؤولين أميركيين لشبكة "اي بي سي"، بتحليل وترجمة عشرات الآلاف من ساعات سجلت الاتصالات السرية بين المسؤولين العراقيين، ما ساعد الولاياتالمتحدة على اختراق الأجهزة الاستخبارية العراقية والتعرف إلى حركة تنقل الرئيس العراقي صدام حسين. وكشف المسؤولون للشبكة التلفزيونية ان الولاياتالمتحدة هي التي قامت بجمع المعلومات وتحليلها، ثم اعطت لجنة "أونسكوم" المعلومات ذات العلاقة بعمليات التفتيش والتدقيق في برامج الأسلحة المحظورة فقط. رسمياً، التزمت الإدارة الأميركية نفي القيام بأعمال غير شرعية لغايات تجسسية ضد النظام العراقي. وحبذ اعضاء مجلس الأمن، بينهم الصين وروسيا وفرنسا، تجنب المواجهة الجدية مع الولاياتالمتحدة نظراً إلى خطورة العملية الأميركية إذا اثبتت الأدلة قيام واشنطن بها. وفي حال ثبات التورط الأميركي باستخدام الأممالمتحدة للتجسس على نظام في دولة ما واستخدام المعلومات في عمليات عسكرية لا تلاقي اجماع مجلس الأمن، تكون الولاياتالمتحدة انتهكت القانون الدولي واستخفت بالشراكة مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الذي انشأ لجنة "أونسكوم" فضلاً عن تعمد تقويض المنظمة الدولية. وتساءلت أوساط الأممالمتحدة عن معنى توقيت الكشف عن العلاقة الأميركية المشبوهة مع لجنة "أونسكوم" ومعنى الاعتراف الأميركي الضمني بها. ورأى البعض أن أحد الأهداف هو "إعادة خلط الأوراق" في اطار البحث عن بديل لريتشارد بتلر، وان هناك "تفاهماً ضمنياً بين الأمانة العامة والإدارة الأميركية على ضرورة رحيل بتلر من المنصب". لكن الأكثرية استبعدت أن تؤدي التطورات إلى استقالة فورية لبتلر، متوقعة تنحيه من المنصب آجلاً أو عاجلاً. وما أثار الحيرة أكثر كان التساؤل عن الهدف الأميركي من تحطيم "أونسكوم" وبرامج الرقابة البعيدة المدى التي كانت في مرحلة معينة القاعدة الأساسية للسياسة الأميركية. ويشير بعض الديبلوماسيين إلى أن الولاياتالمتحدة تبنت في الآونة الأخيرة استراتيجية جديدة قامت على الضربات العسكرية كقاعدة لها، وبالتالي باتت "أونسكوم" هامشية في هذه المعادلة. فيما يشير البعض الآخر إلى أن الأولوية الأميركية هي إطاحة النظام في بغداد بأي ثمن كان، بما في ذلك التضحية ببرامج الرقابة البعيدة المدى التي باتت بلا فائدة، من وجهة نظر واشنطن، سوى لغايات جمع المعلومات الاستخبارية. وهناك من يعتقد أن تحطيم "أونسكوم" ينطوي على إجهاض الأداة التي من شأنها ان تطرح رفع العقوبات وتفعله. وبما ان العقوبات الاقتصادية والعسكرية أساس للسياسة الأميركية، فلا حاجة إلى جعل هذه اللجنة عثرة في طريق الاستراتيجية الأميركية. وينبه أحد الديبلوماسيين المعنيين بملف العراق إلى "حال الفراغ" التي تقع فيها الأممالمتحدة قائلاً: "لا لجنة خاصة، ولا بديل لها. لا بيان رئاسياً من مجلس الأمن، لا عمل لرفع العقوبات. لا دور للأمين العام. مجرد لا شيء كي تبقى الحال كما هي عليه الآن". وشدد الناطق باسم الأمين العام فرد اكهارت، أمس، على أن المسألة عائدة إلى مجلس الأمن الذي يشرف على لجنة "أونسكوم". وقال إن وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت أجرت اتصالاً هاتفياً مع كوفي أنان للبحث في المسألة.