ربما نسي الكثيرون "النظرية الثالثة" التي ارتبطت باسم العقيد الليبي معمر القذافي. وما يذكّر بها الدعم الذي محضه اياه، قبل يومين، الزعيم القومي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي الذي بثت الاذاعة الليبية خبر لقائه بالعقيد وتجديده تأييد موقف ليبيا من قضية لوكربي. لقد أيد جيرينوفسكي مواقف القذافي، بعدما ايد بحرارة مواقف الرئيس العراقي صدام حسين. وها هي المرة الرابعة يزور فيها طرابلس، هو الذي قام بزيارات شهيرة الى بغداد. والحال أن جديد جيرينوفسكي ايديولوجي أيضاً. ففيما تقضم القوى القومية الروسية الجديدة شعبيته، طوّر "فلاديمير المجنون" نظرية لا سابق لها عن عظمة روسيا والروس، وعن الخلاص الذي هو رهن ايديهم، اسماها "الطريق الثالث". و"الطريق الثالث" الجيرينوفسكية لا تربطها صلة بما زعمته البليرية في بريطانيا، اذ ان عمادها، هذه المرة، جنسي! ففي كتاب جديد اصدره فلاديمير، وعرضته "الغارديان" البريطانية، بعنوان "ألفباء الجنس"، يمضي الكاتب والسياسي في دحض السياسة الأميركية انطلاقاً من تقويض "هيمنتها الجنسية". ذاك أن "المعاداة العدوانية للجنسية ملازمة للسياسات الرسمية الاميركية في مجال الجنس. وما دام ان اميركا تزعم لنفسها قيادة العالم الحديث، فهذا أمر بالغ الخطورة بما يجعل النضال ضد النفوذ الاميركي في الجنس والايديولوجيا الجنسية يحتل موقعاً حاسماً". ومن موقعه هذا يقترح جيرينوفسكي "الطريق الثالث" بين الموقف الاميركي من الجنس، وهو موقف يركّز "على الأخذ أكثر من العطاء"، وبين البيوريتانية التي عرفتها الحقبة السوفياتية. ولا يلبث الداعية السياسي - الجنسي ان يخرج بدعوة الرجال والنساء الروس الى زيادة طاقتهم الجنسية والتخلي عن الزواج الآحادي. وفي هذا السيناريو يبدو ان جيرينوفسكي احتفظ لنفسه شخصياً بدور الرجل الرجل، فهو، بحسب وصفه نفسَه، "الفارس الجنسي لكل فتيات روسيا". والذين اعتادوا تفاهات "النظرية الثالثة" لا يستغربون تفاهات "الطريق الثالث"، غير ان هذا النمط في "العداء للامبريالية" يستشري اليوم على نحو لا سابق له، واستشراؤه، على ما يبدو، جزء من الطبيعة الانتقالية لزمننا. فبين العجز عن تأليف كتل دولية مؤثرة وفعالة توازن الجموح والشطط الأميركيين، وإفلاس أنظمة قومية - راديكالية من كل شيء ما خلا الكلام، يتراءى أن مساحات واسعة تُركت للتفاهة والسخافات. بيد ان ما لا ينبغي نسيانه ان "الطريق الثالث" تهب لنجدة "النظرية الثالثة" في قضية بلغت كلفتها البشرية 270 ضحية بريئة تحطمت جثثهم فوق اسكوتلندا. فمن الذي يرفع الصوت من العرب طالباً عدم تقديم الدعم والتأييد