لا اعرف اذا كان الصديق القديم صداقة لا عمرا رياض نجيب الريّس يعرف ان في مكان مكتبته "الكشكول" التي ازدهرت سنوات في لندن قبل انتقال مؤسسها الى بيروت، هناك شركة للعناية بالاسنان. لعل من اسباب انتقال رياض الى بيروت ان تقليع الاسنان اهون على العربي من القراءة. غير ان رياضاً ابن ابيه، وهو يواصل بنجاح نشر الكتب واحياناً تأليفها من بيروت بصبر المحب لا التاجر. اما انا في لندن فلا ازال اذكر "الناقد"، واتمنى لو يعيد رياض نجيب الريّس اصدارها من بيروت، فقد حاولت اقناعه في لندن بالاستمرار فيها على الرغم من تراكم الخسائر، الا انه لم يستطع، فتوقفت المجلة "لأن اللي ياكل عصي مش مثل اللي يعدها". ولا اقول اليوم سوى ان "الناقد" و"فصول" التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب هي المجلتان الادبيتان المفضلتان عندي في العقدين الاخيرين. رياض نجيب الريّس في الفكر دائماً ولكن لماذا اذكره اليوم؟ السبب انني كنت ماراً امام مكتبته السابقة في لندن امس، فاستوقفتني شابة صغيرة اعطتني نشرة دعائية من اربع صفحات عن كتاب جديد بعنوان "فن الغفران المفقود" من تأليف يوهان كريستوف ارنولد. ولاحظت ان تقليع الاسنان خلف كتب ابن نجيب الريّس وأنا اقرأ ان الكتاب عن فن الغفران يضم قصصاً عن ضحايا نابالم او سائق مخمور او لص قاتل غفروا للذين اعتدوا عليهم. وقرأت مدحاً للكتاب على لسان نلسون مانديلا والمطران ديزموند توتو وفيدل كاسترو وغيرهم. طبعاً هؤلاء يستطيعون ان يغفروا لانهم في بلادهم، اما العربي مثلي فيصعب عليه ان يغفر او ينسى، وكل ما حوله يذكره بمصيبته او مصائبه، فقد تكسّرت النصال على النصال. على كل حال، السياسة مقيتة فاتجنبها وابقى مع الكتب، واقول لاخينا رياض انه خسر كثيراً بترك لندن، فهناك اتجاه جديد لا يركز على الكتاب وما كتب فيه، وانما على الكاتب او الكاتبة. وامامي تحقيق يضم صورة ملونة كبيرة لمؤلف شاب اسمه ريتشارد مايسون، ابرز ما فيه انه يشبه الممثل الوسيم ريتشارد غرانت. واهم من هذا صورة للمؤلفة الحسناء اماندا فورمان في مجلة "تاتلر" فهي تقف عارية تماماً الا ان جسمها مخبوء وراء نسخ متراكمة من كتابها، مع ان موضوعه دراسة تاريخية عن دوقة ديفونشير، ومجتمع القرن الثامن عشر، وهو من اصدار دار هاربر كولنز الكبرى. ولكن قبل ان "يضبضب" رياض "كلاكيشه" ليعود الى لندن و"الكشكول" املاً بركوب الموجة الادبية الجديدة، الفت نظره الى ان العربي واحد من مسارين تماماً كالعملية السلمية في الادب الثاني فيهما هو "تنظيف" ابرز الاعمال الادبية التاريخية من اللاسامية. واذا كان تمثيل دستن هوفمان دور شايلوك في مسرحية "تاجر البندقية" معروف، فان الدور الآن على فاغان، الشرير اليهودي في رواية "اوليفر تويست" لتشارلز ديكنز، فهناك حلقات جديدة للتلفزيون من الرواية المشهورة، ستزال منها يهودية فاغان لانها لاسامية واضحة. وهكذا يذهب الانف الطويل المعقوف، والشعر الملبد، مع انني لا اعرف هل سيعطى فاغان وظيفة جديدة غير ادارته صغاراً من النشّالين في لندن، ومحاولته ان يقنع اوليفر بالانضمام الى عصابته. هل نرى في العمل الجديد فاغان وهو يحاول اقناع اوليفر بالعمل في كيبوتز في اسرائيل؟. اكتفي بما سبق قبل ان اتورط واعود الى "الناقد"، او الى النقاد لانهم من جنس دون البشر، واذا هاجمتهم، فلن يهب احد للدفاع عنهم. ابتسمت وانا اقرأ عن كاتب سأل ناقداً ما رأيه في عمله. وقال الناقد بصفاقة: لا قيمة له. فرد الكاتب: اعرف ان رأيك لا قيمة له ولكن احب ان اسمعه. الناقد كاتب فاشل، وهي مقولة لا تفقد شيئاً من صدقها لمجرد انها قديمة ومكررة. وهو وقد عجز عن تحقيق اي نجاح كاتبا، يحاول ناقداً ان يحصل على عمولة من شعبية المؤلف الناجح. ونصيحتي للقراء هي ان يقرأوا نقد الكتب والمسرحيات والافلام وغيرها، مهما كان رأيهم في النقاد، ثم ان يعملوا عكس نصح الناقد، لأنهم اذا فعلوا لا يخطئون، فاذا هاجم الناقد كتاباً اشتروه، واذا سخر من مسرحية او فيلم شاهدوه. واخيراً، سئلت سيدة: هل قرأت مسرحيات شكسبير؟ وقالت: قرأت اثنتين. وسئلت: ما هما؟ وردت: روميو وجولييت.