يُعرف في الاوساط السياسية الشعبية في بلاده بپ"مستر نايس غاي Mr. Nice Guy" وهو كذلك فعلاً. فعبدالله احمد بدوي 59 عاماً الذي اختاره رئيس الحكومة الماليزية الدكتور مهاتير محمد في الثامن من كانون الثاني يناير الجاري ليشغل منصبي نائب رئيس الوزراء ونائب زعيم الحزب الحاكم منظمة شعب الملايو الوطنية المتحدة المعروفة اختصاراً باسم اومنو الشاغرين منذ طرد انور ابراهيم منهما في ايلول سبتمبر الماضي، او بعبارة اخرى ليكون خليفة له، رجل ظل ولا يزال بعيداً عن القيل والقال. وهو لم يعرف عنه سوى الاستقامة ونظافة الكف والسمعة الحسنة واجتناب الضلوع في الدسائس والمناورات الحزبية. اضافة الى ذلك فانه معروف بالتزامه الديني الصارم الذي لم يتخذ يوماً ما اشكالاً مظهرية بائسة كما هو حال رموز الاسلام السياسي الماليزي الصاعد في اقليم كالينتان تحديداً او اشكال المزايدة الرخيصة على النظام والخروج عليه كما فعل انور ابراهيم ذات يوم قبل ان ينخرط فيه ويصبح جزءاً منه. وهذه بطبيعة الحال مزايا تكاد تكون أمراً نادر الاجتماع في شخصية واحدة في المجتمع السياسي الماليزي الحافل بالقصص والشائعات المشينة، وربما كانت هي المطلوبة اليوم في الرجل الذي سوف تؤول اليه قيادة ماليزيا مستقبلاً اذا ما استقال زعيمها الحالي او تنحى او اجبر عليهما، بحكم العرف المتبع في هذه البلاد. فالكثيرون من الماليزيين باتوا يرون انهم بحاجة اليوم او في المستقبل القريب الى زعيم بعيد عن اللغط والحكايات المثيرة، يستطيع ان يعيد الى بلادهم سمعتها المحافظة من بعد نحو عقدين من حكم مهاتير المليء بالصخب والضجيج الاعلامي. وربما كانت هذه المزايا نفسها هي التي جعلت مهاتير يفضل اختيار بدوي ويقدمه على اسماء مرشحة اخرى مثل وزير التربية نجيب رزاق ووزير الصناعة والتجارة الاسبق الأمير رضالاي حمزة، هذا اضافة الى اسباب اخرى تتعلق بهذين المرشحين البارزين تحديداً مثل صغر سن الأول نسبياً 45 عاماً وما يتردد عن ضعف التزامه الديني، وفقدان مهاتير للثقة في الثاني منذ ان نافسه على الزعامة عام 1987 قبل ان ينشق على اومنو ويكوّن حزباً جديداً تحت اسم "سمنغات 46"، سرعان ما تم حله بعودة مؤسسه الى حضن الحزب الأم في 1996. لكن مزايا بدوي الآنفة تقابلها أيضاً نقاط ضعف غير مقبولة في من يشغل مناصبه الحالية او تلك المستقبلية. فمن كان مثله خجولاً قليل الكلام قد لا يصلح لزعامة بلد تتطلب اوضاعه الجديدة تواصلاً اعلامياً مستمراً للقائد مع الجماهير. ومن ناحية اخرى فهو على العكس من مهاتير ينقصه الكثير من المواهب القيادية ومن فنون المناورات الحزبية، الأمر الذي لخّصه احد المراقبين في عبارة "انه على درجة من الطيبة والرقة لا تتناسب وأوضاع عالم السياسة القائم على المكر والخديعة". كما ان بدوي على العكس من رضالاي حمزة لا يجيد التعامل مع القضايا الاقتصادية ولا يستند الى قواعد صلبة داخل مجتمع المال والأعمال في بلد لا يزال يئن من ازمته النقدية الاخيرة ويحتاج الى موهبة اقتصادية فذة تعيد له ثقة المستثمرين وتصلح ما لحق به من خلل. وأخيراً فانه بعكس انور ابراهيم يفتقد الى الكاريزما الجماهيرية القادرة على سحب البساط من تحت اقدام هذا الاخير وأنصاره الكثر، وان كانت ملامحه الخارجية ومواصفاته الجسمانية وأناقته الرفيعة وابتسامته الجذابة تتفوق على ما لدى انور ابراهيم وغيره من ساسة ماليزيا الحاليين. فيبدو ان الحسابات النهائية في دوائر الحزب الحاكم جاءت لتؤكد رجحان كفة ايجابيات بدوي على سلبياته وبالتالي احقيته بالمناصب الشاغرة، اضافة الى منصب وزير الداخلية الذي تخلى عنه مهاتير بعدما نال منه ما ناله من اتهامات حول مسؤولية مرؤوسيه في ضرب وتعذيب انور ابراهيم وانتهاكهم للقانون، ناهيك عن اتهامات سابقة حول استئثاره بكل المناصب الحساسة رئاسة الحكومة والحزب ووزارتا الداخلية والمالية. ولد بدوي في تشرين الثاني نوفمبر 1939 في بينانغ، المنتجع السياحي التاريخي الجميل الواقع الى شمال غرب شبه جزيرة الملايو والتابع لولاية كيداه، حيث لا تزال والدته المسنة كاليان حسن تقيم الى اليوم وحيدة بعدما رحل زوجها في اوائل السبعينات. ودرس العلوم السياسية في جامعة الملايو الوطنية بكوالالمبور التي خرّجت صفوة ساسة ماليزيا السابقين والحاليين. أما دخوله الحلبة السياسية فقد كان في 1974 حينما ترشح في الانتخابات العامة وفاز فوزاً ساحقاً ليصبح نائباً في البرلمان الاتحادي. في 1982 اختاره مهاتير كوزير في مكتب رئيس الوزراء لينطلق من هذا المنصب ويتولى لاحقاً حقيبتي التربية والدفاع على التوالي، قبل ان يقال من الحكومة ويتوارى الى الخلف في 1987 عقاباً له على وقوفه الى جانب زميله وزير الصناعة والتجارة وقتذاك الأمير رضالاي حمزة حينما قرر الاخير منافسة مهاتير على زعامة ماليزيا في انتخابات ذلك العام، كما اسلفنا. ورغم ما لحق ببدوي من اضرار نتيجة حساباته غير الدقيقة، فانه ظل برلمانياً ناشطاً في صفوف الحزب الحاكم واستطاع ان يفوز في انتخابات تشرين الأول اكتوبر 1990 ويفرض نفسه مجدداً كشخصية حزبية لا يمكن تجاوزها في اي تشكيل وزاري. وعليه فقد اضطر مهاتير ان يعيده الى صفوف حكومته كواحد من نوابه لكن خلف انور ابراهيم الذي صعد من وزارة التربية ليصبح نائباً أول لرئيس الحكومة والحزب ووزيراً للمالية. في 1991 قرر مهاتير ان يُسند الى بدوي وزارة الخارجية التي رغم وجاهتها لا تُعتبر في ماليزيا ذات شأن كبير على اعتبار ان رئيس الحكومة هو الذي يحدد سياسات البلاد الخارجية ويتخذ قراراتها. ومنذ ذلك الحين ظل الرجل محتفظاً بالمنصب الديبلوماسي الأول في بلاده بعدما أُعيد تثبيته فيه في تشكيلة 1995 الوزارية. كما ظل حريصاً على تبديد اي شكوك قد تساور مهاتير حول ولائه لشخصه وزعامته على خلفية ما حدث في 1987، فساند الاخير في كل المواجهات الحزبية والسياسية التي خاضها منذ بداية التسعينات بما في ذلك خصومته مع انور ابراهيم وأعوانه. وربما كان هذا ايضاً احد الأسباب التي دفعت مهاتير الحريص على تهيئة كل الاسباب لنقل سلطاته بهدوء في وقت ما من اوائل القرن المقبل، الى اختيار بدوي نائباً وخليفة له، خاصة وان الاخير يحظى كما يقال بدعم لوبي حزبي قوي وتأييد تسعة من رؤساء الحكومات المحلية الثلاث عشرة. فاذا ما اضفنا الى كل هذا حقيقة القوة التي بناها مهاتير لنفسه خلال 17 عاماً متواصلة من الحكم، وبالتالي قدرته على انجاح مرشحه لنيابة الحكومة والحزب في الانتخابات العامة المقررة في نيسان ابريل عام 2000، فان بدوي يكاد يكون واثقاً من بقائه في الواجهة طويلاً وتجاوزه لكل الطامحين الآخرين، ووصوله الى الزعامة الأولى يوماً ما. الا ان هناك من يأخذ هذا الكلام بشيء من الحذر على خلفية تجارب اسلاف بدوي مع مهاتير. فالأخير اطاح حتى الآن اثنين من نوابه هما موسى حاتم وأنور ابراهيم.