ضاع في زحمة الاعداد للانتخابات الاسرائيلية، تركيز الانظار على ما جرى في المحكمة الاسرائيلية العليا قبل ايام. انعقدت المحكمة لاعادة النظر في قرارها السابق الذي يسمح بتعذيب المعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين، وجرى في جلسة واحدة تأجيل النظر في الموضوع الى وقت لاحق. منظمة العفو الدولية حضرت الجلسة، واعلنت استياءها من التأجيل، ورأت فيه مناورة مقصودة. سبب استياء منظمة العفو الدولية، ان حكومة نتانياهو تعد قانوناً حول التعذيب في السجون، وصدور قرار عن المحكمة سيؤثر في صياغة بنود القانون، وقد يلغي سلفاً بنوداً تريد الحكومة ادراجها فيه. ولذلك رأت منظمة العفو الدولية ان التأجيل هو بمثابة تواطؤ بين المحكمة وبين رغبات الحكومة. في هذه الجلسة الفريدة قيل كلام يتجنب قوله علناً حتى كبارالمحققين المدافعين عن التعذيب، ورد في هذا الكلام ما يأتي: الأغلال ستكون أقل إحكاماً، الاقنعة ذات الرائحة المقززة ستسمح بمزيد من الهواء والضوء، سيستمر تقييد المعتقلين في مقاعد ضيقة تسبب آلاماً شديدة في الظهر والأرجل، لا بد من استمرار اسلوب الهز العنيف، والتحقيق الطويل ضروري... أما صاحب هذا الوصف الفني لعمليات التعذيب فهو المدعي العام الاسرائيلي وليس احداً سواه. وحتى لا نظلم نتانياهو وحكومته، لا بد ان نسجل ان قرار السماح بالتعذيب هو قرار اتخذ قبل سنوات، ومن خلال قاض اسرائيلي رصين، وعبر لجنة ترأسها هذا القاضي سميت "لجنة لانداو". هذا القاضي كان انسانياً ورحيماً فشرّع قانوناً يسمح بالتعذيب "المعتدل"، ثم تلاه رئيس الوزراء ووزير الدفاع اسحق رابين بطل السلام! فأصدر قراراً يسمح للمحققين بالتعذيب "الشديد"، وحين مات المعتقل عبدالصمد حريزات بسبب "الهز الشديد"، وبسبب نزيف في المخ أحدثه هذا الهز، عرضت القضية على المحكمة الاسرائيلية العليا فأجازت التعذيب المعتدل والشديد على السواء، وكان ذلك اول تشريع قضائي في العالم يجيز التعذيب. ثم طوّرت المحكمة الاسرائيلية العليا عملها، فإضافة الى القانون الذي يجيز التعذيب الشديد، بدأت تصدر احكاماً بالاسم، تجيز تعذيب هذا المعتقل او ذاك، وكانت هذه الاحكام تصدر بعد أن يتظلم المعتقل امامها طالباً وقف التعذيب الذي يتعرض له.. وكان هذا ايضاً اول تشريع في العالم يجيز التعذيب بحق شخص محدد بالاسم. ثم رأت حكومة رابين انه لا بد من تشريع الامر بقانون، حتى يصبح التعذيب جزءا من الديمقراطية التي تلقى التبجيل والتعظيم اليومي من الادارة الاميركية ، فأعد قانونا اطلق عليه اسم "تحريم التعذيب"، واحتجت منظمة العفو الدولية قائلة ان ما يسمى "قانون تحريم التعذيب" هو في الحقيقة قانون يجيز التعذيب، ونالت وعدا بتأجيل البت به. حدث كل هذا في عهد حكومة العمال، وتتابع حكومة الليكود الآن تكميل الانجاز الديموقراطي، وتقول منظمة العفو الدولية: ان اسرائيل هي البلد الوحيد في العالم الذي يشرع العذيب، وتقول انه لا بد ان تضع المحكمة الاسرائيلية العليا حدا لهذا العار.