تمثل المرأة وقضاياها اهمية خاصة في النقاش الدائر بين الحين والاخر حول مكانتها ودورها ومساهمتها. وكثيراً ما نسمع صرخات المرأة وآهاتها المفزوعة التي تعبر فيها عن رفضها ان تكون جارية، مع ان عصر الجواري من ناحية الممارسة - بشكل مباشر - انتهى من حياتنا، فما الذي جعل المرأة تعيد ذكره او استرجاعه؟ هل هو اعتماد على شعور خاص بأنها مجرد جارية؟ لا يمكن إعطاء اجابة حاسمة إلا بالعودة الى معرفة الحال التي عاشتها المرأة غير الحرة في زمن الوحي، والحال التي تعيشها الآن المرأة الحرة في زماننا، وكلا الحالين في نظري ترتبطان بمفهوم "الأمَة" قبولاً او رفضاً قُرباً او بُعداً عن المفهوم ذاته، اولا، وعن انعكاسات هذا المفهوم في العلاقات بين الرجال والنساء، ثانياً. وللوهلة الاولى تبدو مسألة تحديد المصطلح من خلال النص القرآني لا غنى عنها، لا لكونها تقر حالة ماضية، بل لكونها - حسب فهمي - تعطينا أحكاماً عن احتمال تكرارها وحدوثها في مختلف الامكنة والازمنة. ويذهب بعض الباحثين المختصين بالفقه واللغة الى القول: إنه لا يوجد اختلاف بين المعنى اللغوي لكلمة الأمَة، والمعنى الفقهي لها، ولهم أدلتهم من اللغة نفسها، وكثيراً ما يحددون المعنى لغوياً بقولهم: أمَة الجارية صارت أمَة أي مملوكة غير حرة محمد اسماعيل ابراهيم - معجم الالفاظ والأعلام القرآنية، وهذا الكلام يبين فعلاً واقعاً يتم من خلال طرف قوي على طرف ضعيف سواء أكانت هذه القوة أو ذاك الضعف يعودان الى سبب مادي المال مثلاً أو قبلي كغزو قبيلة لأخرى او نوعي امتلاك الرجال للنساء إذن هذا إقرار بفعل واقع من طرف قوي، يتمتع بامكانات فرض القوة. يلاحظ ان هناك من الباحثين من يعيد كلمة الأمَة من خلال المسألة اللغوية، ويبحثها من خلال الجمع للكلمة انطلاقاً من مفهوم "الايامي". ومهما يكن من أمر فإن النص القرآني يوردها كحال واقعية لكنها غير حقيقية اي انه يسعى الى تحويلها طبقاً للمستقبل الى حقيقة وواقع آخر، وربما لذلك يجعل الزواج بالأمَة كحل المشكلة المالية من جهة، واعادة ترتيب لعلاقة اجتماعية من جهة ثانية، وهذا ما أفهمه في قول الله سبحانه وتعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمَة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون" البقرة الآية 221. شرط الزواج توافر الإيمان إذن فالحال كانت عامة للرجال والنساء، واشترط هنا للارتباط بواسطة الزواج توافر الايمان، لأن الايمان يمثل النقلة الاساسية للانسان، إذ انه يعتبر حراً حتى لو كان عبداً، المهم استحضار الله سبحانه وتعالى في جميع اعماله، والعبودية في هذه الحال مجرد مرحلة في حياته ستنتهي بعد ذلك. ويؤكد الله سبحانه وتعالى هذه الحال، اي الحال المالية للفرد المسلم، اذ ان المصدر الاساسي لإغناء الناس هو الله، غير ان مفهوم "الايامي" يشمل الأحرار والسيدات جميعهم، وكتب الألفاظ الخاصة بالقرآن تشير الى ذلك، حيث جاء فيه: "أيم: أم الرجل، أقام بلا زوج، وكذلك أمَت المرأة، والأيامي جمع أيم، وهي من لا زوج لها بكراً كانت أم ثيباً، وكذلك الرجل لا زوج له". وللعلم فان مصطلح الأمَة ورد مرتين فقط في القرآن، بالعبارة نفسها، في حين ورد مرة ثالثة بكلمة: فتياتكم، وقد ذكرنا آنفاً الآية الواردة في سورة البقرة، والتي جاء فيها اللفظ مفردا، أما في سورة النور فإنه ورد بصيغة الجمع في قوله تعالى: "وانكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم" سورة النور - الآية 32. أما الآية الخاصة بكلمة "فتيات"، وهي مرادفة لكلمة الإماء فقد جاءت في سورة النساء، في قوله تعالى "ومن لم يستطع منكم طولاً ان ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن.. والله غفور رحيم" سورة النساء - الآية 25. مما سبق ندرك ان القرآن عبّد الطريق للانسان المسلم حتى يتمكن من السير فيه دون ظلمة للنفس البشرية وهواها، ودون سلطان هذا الهوى، وإنما سلطان الله الذي يمدنا بالقوة، فنرى ان حال الاستعباد تلك مجرد صنع بشري يتمدد او يتقلص بمدى قرب او بعد الانسان عن السماء وعدالة الاسلام، ونلحظ ان كلمة الإماء انتقلت الى حال اكثر عطفاً واكثر قرباً وإخاء ومحبة، وهو ما نجده في كتاب "ظلال القرآن، لسيد قطب". على العموم فإن الاسلام كان يحذر افراداً للواقع الذي سيعيشونه وتعيشه معهم البشرية وهو زوال العبودية للنساء والرجال. المرأة وموقعها وإذا كان مفهوم الأمَة في القديم يعني المملوكة اي غير الحرة التي ليس لها الحق في التصرف في ذاتها ولذاتها، وأنها عنصر تابع وغير راشد ومجرد متاع، بل إنها كانت في جاهلية ما قبل الاسلام تمثل تجارة الاغنياء عن طريق الزنا إذ كانت غير حرة، وفي الوقت نفسه تدفع ثمن عبوديتها دون ان تكون لها القدرة على التحرر بالجهد نفسه الذي تبذله من جسدها وعمرها فقط لأن الرجل القوي اشتراها بماله، وفي غالب الاحيان هو مال اكتسبه من التجارة بجارية اخرى، إذا كان على هذا النحو في الماضي فإنه الآن يطرح بأسلوب آخر تحت دعاوى ما يسمى بتحرير المرأة والدفاع عن حقوقها واخراجها من عبودية الرجل، فهل يا ترى هي فعلاً الآن في عصرنا تتجه نحو مزيد من الحرية؟. لا شك ان وضع المرأة في عصرنا يختلف كثيراً عن الماضي، ففيه كانت مستعبدة بالقوة، اما الآن فهي راضية بهذا الاستعباد، وإما غُرر بها وصورت لها الحرية بالطريقة التي يريدها الزوج، لكن بالنسبة للاستغلال لا يزال على الطريقة السابقة نفسها وربما اشد، والقول انها راضية لا يعني انها واعية للاستعباد، وانما هي مقهورة ومغلوبة على امرها، وقد تعودت على ذلك. وهذا يعود لاستبداد الرجل من جهة وجهله لقواعد الدين من جهة اخرى، حتى غدت لا ترى نفسها إلا من خلال الرجل، وهذا جزء من الحال العامة التي تعيشها المجتمعات الانسانية. فحال الاستعباد لا تقف عند حدود الطغيان على المرأة، وإنما هي في حقيقة الامر تمثل انهزامات الرجل المتتالية في الحياة امام الحاكم وامام متطلبات الحياة، وامام سلم القيم وامام العدو الخارجي، ناهيك عن الضعف والشعور بالفشل وانعدام الامل، وغياب الهدف، مما يظهر في النهاية الى القيام برد فعل تأتي نتائجه النفسية على المرأة الأم او الاخت او الزوجة او الصديقة او ما الى ذلك. إننا هنا امام معاناة نفسية من الظلم الخارجي. صحيح ان المرأة تشفيه من حالته النفسية، وتعيده الى حال التوازن النفسي والاجتماعي لكنها وهي تقوم بذلك تواجه مزيداً من الاستعباد والقهر. يلاحظ ان المرأة في عصرنا تعيش على صعيد آخر مسألة وهمية هي: قبولها بأن تكون أمَة وبِرضاها ما دامت خارج سلطة الرجل، وهذا الاخير استغل سوء الفهم، ويعمل جاهداًً على بقاء حالتها تلك واستمراريتها، وممارسات كثيرة تبين ذلك، فاستغلالها في الدعاية والاعلان على شاشة التلفزيون، وفي الافلام السينمائية الجنسية وغير الجنسية، وعلى شرائط الفيديو وفي مجلات خاصة جعلتها بالفعل أمَة بِرضاها بمقابل دراهم معدودة، وهذه يشترك معها بعض الرجال، وهنا تبريرات تقدم منها للسعي للشهرة واثبات الوجود، وجميعها تعبر عن وعي زائف لدى المجتمعات الانسانية، كما يبين عدم فهم المرأة لرسالتها ودورها في هذا الوجود. صورة الغرب الماثلة والواقع ان المرأة المعاصرة يشكل لها الغرب عقدة مثلما يشكلها للرجل تماماً، لان نتاجاته دخلت في عمق الذات الاجتماعية، خاصة تلك ذات الصلة المباشرة بالمرأة، ما نتج عنه توتر في شبكة العلاقات الاجتماعية ادى الى الصراع بينها وبين الرجل، ولم تكن لها حماية لإنسانيتها من طرف المشرعين. اضافة الى ذلك فان واقع المرأة، واستغلالها من طرف الرجال يعطينا صورة عن حال التخلف التي يعيشها الرجال، او ما يمكن ان نطلق عليه "الوعي المستحمر" على رأي المفكر الايراني علي شريعتي، ما ادى الى زيادة الظلم وتحول المرأة الى أمَة بوعي زائف، مثلما يعيش الرجال على اعتبار انهم سادة بوعي زائف ايضاً من دون ان يدركوا ان العبودية حال عامة، مهما اختلفت المسميات او تعددت الاهداف، او تنوعت اساليب إخفائها. * كاتبة جزائرية مقيمة في مصر.